بحث هذه المدونة الإلكترونية

30‏/12‏/2021

التركيب الغرائبي في قصيدة النثر

شعراء خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا فركبوا زورق رامبو واليوت


محمد الجزائري - (الزمان)


ينتمي الشعر التغريبي ــ الغرائبي، إلي مرجعيات تتعالق بالراهن العربي المهزوز، الذي ألقي السلة في البرية ولم ينل العنب، أو استخار العولمة فلم تسعفه ولا ببيضة واحدة، وان كانت فاسدة لتحط في السلة، ذلك ان تسليم زمان الفرس إلي غير فارسها لن يحقق قصب السبق، فلا رهان علي الخاسرين!
والشعراء الذين خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا، خسروا الملاذ الفكري الآمن، حتي في احتدامه، من هنا استداروا عن التثوير وقصيدة الهبة والتحريض والمقاومة، التي وجدت تناغمها مع حماستهم وقناعاتهم في مراحل النضال ضد الاستعمار والتخلف والملل والدكتاتوريات، إلي بحث يائس في الشكل المغلق للذات المنكفئة، والحزن الرومانسي المؤدلج تقنياً..
لذا ركبوا في زورق رامبو وإليوت وعزراباوند وغيرهم، كأنه فلك نوح، وكانوا يعلمون انه مثقوب وملقي علي ضفة التذكر منذ أوائل موت النظريات إلي ظهور (ما بعد) حداثة شاسعة الأفق لا محدود الخيال..، لذا غرقوا.
والذين تعلموا لغة أخري (افرنجية) ركضوا أسرع من غيرهم إلي تلك المهاد، فرأوا فيها واحة يستظلون بها من نار الهزائم ورمضائها، فقرأوا تجارب الآخر بجدية وموضوعية، لكن بعضهم سرعان ما غص في نبيذها المعتق، أو تلعثمت لغته العربية فراح يتأتي مثل (الخواجات)، أو يرطن قصائده من معجم مترجم!
كان نصيب (قصيدة النثر) من هذا الاغتراف المتعجل، تعويضاً نفسياً عن ركود (الشعر الحر)، وانحسار وهج رواده، فراح (النثريون) يتفهمون أطروحات سوزان بيرنار، من دون الرجوع إلي الجذر الاعتق (الشعر السومري ــ البابلي، أو العباسي ــ الاندلسي)، فصارت نصوصهم كأنها مترجمة (بتصرف) أو بتأثر مباشر، لكن حركة (اللجوء) الشعري إلي ثقافة خارج لم تختر منافيه بدقة، جعلت الحصة الأعظم من الاغتراف مثابة اغتراب وغربة للنص في روحه وتوجعاته وصياغاته اللغوية، وقد راهن هؤلاء عليها براحلة من دون بوصلة أو من دون دليل فطن، فسقطوا في بحر اللاتفعيلة، مثابة طوق تباه علي معرفة بالعوم بعيداً عن الشاطئ الأول، لكنهم خسروا الاصالة، ولم تعد لهم معشوقات سمر من بنات عامر (قوم العذريين)، ولا من بداوة المعلقات، ولم يركضوا مثل ذلك العاشق إلي راهب الدير ليسألوه عن لوعة مشتقة من أرض البرتقال الحزين أو كربلاء زينب أو الرباب، أو من حنين إلي (ولادة) أخري تتوالد مع (ابن زيدون) عربي أندلسي الوجه واليد واللسان.. هؤلاء، ولا بأس علي الشعر، سبقوا (العولمة) السياسية بعولمة الشعر، فمن جانب آخر تعالقوا (وايتمان) ساحراً وعراباً كما (ايلوار وناظم حكمت وأراغون وماياكوفسكي، ولينين) ملهمين بواسل في الحب وقصيدة الحياة، الثورة والجمال والأمل.. وبعد خيبات العرب الستينية والسبعينية صعوداً، وعجزهم عن استعادة مجد الثورة الوطنية والمقاومة الباسلة، صارت الأرض المنهوبة منسية، وازدادت عتمة الأيام في الحروب الخاسرة والمغامرات المسرحية، ومخيمات داود التي نصبت أعمدة (حكمتها) في فضاءات العرب أجمعين بدءاً من غرناطة وانتهاء بكوبنهاغن وشرم الشيخ، وعند وسائد أولياء أمورنا الذين تهافتوا جميعاً، من مغرب جزيرة ليلي الأسيرة، إلي قبة الصخرة المسيجة بحقد (بني صهيون)، في حين أعاد (البناؤون) ــ مجازاً ــ لهيكل سليمان ذاكرة (تحريفية) ليجعلوه تاريخاً وحقائق فانسلخت (الماسونية) من حماية تاج الامبراطورية البريطانية (أم الديمقراطية الحديثة) التي لم تغرب سياستها عن وطننا العربي، تقسيماً بعد آخر حتي طالت آخر رغيف في تنور كرامتنا، ونحن بين مصفق منافق وخائر صامت أو ثائر مكبل مغلول العقل والفعل والانفاس، فكراً وحرية اختياراً وقراراً. الصامدون القلة الذين آمنوا بأوطانهم زادتهم النكبات وهراوات الحجر والقمع أذي ومحاصرة، فأنهكت اراداتهم، فتشبوا بالكلام الجميل وبالشعر الغاضب أو الحزين، وراحوا ينتجون نص الأذي والخذلان والجور والحرمان، في مواجهة الشعراء (الموظفين) (الكبار/ الصغار) الذين ينتظرون آخر الشهر أو أوله لتنزل رواتبهم مع (الاكراميات) عن كل قصيدة وفي كل مناسبة وعيد، في حسابهم الجاري، والشهود علي ذلك كثر، مثل (شهود يهوة)!

شعراء العزاء الأخير


شعراء العزاء الأخير، الذين علقوا أجراسهم في عنق العتمة، علي الرنين يضيء الدرب، وحدهم أبناء برج الحرب، صرخوا عبر حناجر دامية، وأفواه مكممة منذ الثمانينيات، وأطلقوا نصهم الضدي المفتوح، مكتوباً بأقلام الرصاص علي الدفاتر المدرسية، أو كتبوا بأصابع الطباشير وبالفحم علي الحيطان، لانهم امتلكوا شمسهم وصرختهم، وسرعان ما غابوا أو غيبوا، اغتربوا أو تغربوا باكراً، كما تغربت بلدانهم وغيبت قبل أوان الشد، لذا عاشوا مرارة السياسي المخلوع والخدوع، كا ذاقوا مرارة النأي الوجداني والاجتماعي، خرجوا من دون آباء ومن دون ملاذات، إلي أندلسات تتوالد وتتكاثر وتضيع علي مدي دهور الحقائق والمفارقات، فصار كل منهم ينشد: (أضاعوني وأي فتي أضاعوا..).
هل نلوم شاعراً يفقد ايمانه بالوجود المعرفي (السياسي والانساني) فيلوذ بوجعه العام ليصير خاصاً، من أن يعمم ذلك في ذلك؟ وكأنه في كتابته لنصه يلقي عن كاهله ثقل مسؤولية زمان الوصل الضائع، فيرتاح؟!
(استيقظ.. كي لا أموت) انه نص (مقاومة) ولكنها تشبه مقاومة غاندي في حدها الأدني، استيقاظ، أولاً ثم يقظة، هذا أفضل من لا شيء!
نحن بحثنا في كتاب (وعي الضد) في قصيدة جيل الثمانتسعينيات في العراق خلال تلك النار، لكن (الحالة العراقية) لها ما يشابهها عربياً في الهم والخسارات، بخاصة حين تشتت اولئك الفتية في المنافي واشتعلت رؤوسهم شيباً فشاخوا قبل الأوان، وظلوا يغنون ليلي كل علي ربابة أوجاعه!
بدفعة واحدة تسلمت مرة ثلاثة كتب ورابع من الشاعر المصري المقيم في الامارات محمد عيد ابراهيم، المترجم والكاتب في آن: (مخلب في فراشة) مجموعة شعرية اختتمها بنص شهادته التي ألقاها في مؤتمر (عتبات) بالمغرب 1998، ثم (الملاك الأحمر) شعر أيضاً، الأول ضمن قصائده المنجزة 1997 ــ 1998 مهداة إلي (يده/ الحيوان اللعوب بروحه المبهمة) ثلاثة عشر قصيدة، تضمنت السابعة تفريعات سبعة نصوص ذات الصفحة الواحدة، فيما كانت القصائد الأخر ذات امتداد تركيبي احتلت مساحة هي مثابة حكايات، منها، بعد (باب) مفتاح الديوان: (زيارة إلي ملكة منسية) و(حكاية المعبود الذي يسافر كثيراً في شريط الاعدام) و(شجرة لا تنام) و(القزم/ المهرج) و(استيقظ كي لا أموت) ثم (الطبيعة، تحتاج أن تفهم) وهي مدونات ضمت، كما أسلفنا سبعاً من النصوص منها: (تنقصك ريشة واحدة) و(أماثيل الغرام) و(واو ــ نقطة) و(غيبات الوداع) و(حمامة تبكي) و(القبر المفتوح) و(الضلع التتري). أما (الملاك الاحمر) فضم سبعاً من القصائد ثامنتها سباعية أيضاً، ثم رباعية، وأربعاً أخر..
محمد عيد شاعر لا بد كي تتلمس فنه، من ان تعيد قراءته مثني وأكثر، لانه مسخط، متجهم، ويحيلك في نصه إلي مخلوقات لا تفتح بوابات جنة وجود، بل تخرج بها إلي جحيم الاحوال والأيام، عدا (نجاح سفر) التي أهدي لها (الملاك الأحمر) فهي (مخلوق الربات) الذي فتح الوجود (عليه).. كما جاء في الاهداء (ص7).
(ولأنه حريص علي استكمال صورة (مخلوق الربات/ نجاح ــ زوجته) أهدانا كتابها المترجم (زهرة الصيف) عن (كينزبورد أدي ــ هارو أوميزاكي ــ تاميكي هارا ــ خوميكو هاياشي) قصص يابانية عن الحرب وعن مشاعر انسانية بسيطة وتلقائية أثناء المعارك أو بعدها، ولا ينبغي للقارئ أن يتوقع أكثر مما جاز لهؤلاء الكتاب أن يعرفوه عن الحرب، فهو في النهاية سوف يحس بذلك الأسي الشفيف الذي سيغلف روحه بعد القراءة وكأنه قد قام بالصلاة علي أرواح الاعزة الذين فقدناهم في مثل تلك الظروف.
هي الحرب، اذاً التي يفرضها الكبار علي جند لا يملكون من مصيرهم سوي تمسكهم بالحياة ولو في شكلها الأدني، كما تقول المترجمة في مقدمة الكتاب.
رابع الكتب المهداة في تلك النفحة (الهايكو: رحلة حج بوذية) شعر ياباني من ترجمة شاعرنا محمد عيد ابراهيم.
هنا أشير إلي هذه الكتب، لأضفي علي تعاطيات الشاعر ما يعزز مرجعياته القرائية التي تؤثر في تمثلاته وشكل البنية الداخلية لنصه، تقصد ذلك أم لا، فالهايكو كما هو معروف لمتابعي قصيدة النثر تحديداً أو النص المفتوح، مقاطع تتألف من سبع عشرة لفظة (ومن هذه البوصلة المحددة يستطيع شعراء الهايكو اليابانيون التعبير عن أفكارهم ومنطلقاتهم النوعية، غايتهم الخلود، يلمحون مرة إلي الزوال، أو مرة إلي المألوف، اذ تتعامل قصائد الهايكو مع الطبيعة لكن ليست (طبيعة) لكونها تشمل عديد الموضوعات: الدين/ الحب/ الهجاء الاجتماعي/ المرايا الفلسفية/ الاخلاقيات/.. بالاضافة لكون الطبيعة نفسها في شعر الهايكو لا تبتعد عن صلب الموضوع ذاته، حيث هموم الانسان ونشاطاته تشكل جزءاً من الطبيعة، كما هو الحال بالانسان نفسه).
هكذا يلخص عيد هذه التجربة في الترجمة والاختيار، هو الذي خصب في التجربة مذ صدرت مجموعاته الشعرية (طور الوحشة/ أصوات 1980) (علي تراب المحنة 1990)، (قبر لينقض 1991) (فحم التماثيل 1997).. الخ وترجمات منها (أشعار سودر جران 1994)، (جاز ــ رواية توني موريسون 1995)، (مرآة الحبر/ مختارات بورخيس 1996)، (قصائد حب/ آن سكستون 1998)، (رباعيات مولانا جلال الدين الرومي 1998)، (فالس الوداع/ رواية ميلان كونديرا 1998)، (كتاب الحواس/ إيتالو كالفينو 1999)، والهايكو المشار إليه سلفاً، إلي جانب نتاجه الجديد شعراً وترجمة (2000 ــ 2001)، فهو مثابر يعتبر الشعري والمعرفي والابداعي، تأليفاً أو ترجمة، استزادة في الغني الجمالي والفكر الاشكالي لنصه الحداثي الذي يبلغ به مرات حدود المابعد حداثي، ويعبر.. لنقف عند كلاسيكية الهايكو التي التقطها منتجو النص المفتوح علي انها (فتح) في معرفة البنية الحداثية في النص، وتثريه!
(كل شاعر كبير، سيان كان يابانياً أو غير ذلك، هو فنان بنزعة الهايكو) بحسب ميورا يوزوري، شاعر الهايكو الياباني المعاصر في تقديمه لرحلة حج بوذية.
الذي يضم حوالي مائة مقطع من كلاسيكيات شعر الهايكو لكبار هذا الفن الراحلين أمثال باشو/ بوسون/ ايسا/ وغيرهم، حيث يتلازم الهايكو مع الفصول المتغيرة: الربيع/ الصيف/ الخريف/ الشتاء/ رأس السنة..
وما زال هذا الشكل التقليدي شائعاً في اليابان المعاصرة، وقد حاول شعراء الغرب محاكاة الهايكو (ازرا باوند ــ مثلاً)، لكن معظمهم أخفق في أسر بساطته الماكرة أو وميض الحس لدي مجازه المتوتر، يؤكد محمد عيد الذي يأخذنا في شعره الجديد من ذلك الباب الذي فيه ومنه:

(عادت إلي الصباح، تصرخ
فجأة، ودخان علي قلبها: ألهذا تمطر السماء،
حين تري مفاصل الأشجار قفلاً من العدم،
وعليها ان تفتحه؟)


هل يلخص هذا النص المكتفي بذاته تجربة الشاعر في جديده ذي البند الفلسفي، مهتماً بجوهر المعني، غير آبه بالموسيقي الخارجية، باحثاً في جوانية النص عن موسيقاه وان بدت حزائنية في غالب الانعكاسات، فماذا يترك المخلب في الفراشة؟ هل يؤانسها؟ نصوص محمد عيد ترحل إلي ممالك منسية وملكات، ففي صباحات كتلك و(بطريقة التناسخ) سار علي مدي ريفي، استلهم امرأة غابت عن (عينه) منذ 4327 سنة!
دائماً ثمة مفارقة منذ العنوان الكارثي الغرائبي .
فلا ضياء في النصوص إلا قليل أمل، وسط خراب النفوس والظروف والحالات..
ودائماً ثمة امرأة، طيفها صارخ فوق أشواق الشاعر، لكنه (ودعه) يهيم علي الطرقات، فهي (ذبيحة)!
وغالباً صوتان داخل النص، صوت السارد وصوت (الملكة ــ الذبيحة ــ المنسية) ــ المخاطبة، والمخاطبة في آن!
حوار اعتمده سياقاً في بنية نصوصه متعددة الابنية والأصوات أو الدرجات، دائماً من أول الديوان إلي آخره المفتوح، بلغة تحفر عميقاً في الألم، تخرج علي تلقائية الرومانس، وتتجاوز المألوف والسطحي والعادي، إلي باطنية الألم وعمقه، كما إلي باطنية المعني وتجلياته:

(انتقم مني، أيها السيف
الذي قد بدر، واعقريني
ايتها الثيران التي جوعت
أياماً حتي عميت، وعذبني في
....
يدي التي تمنت لقاءها
يا تمساحها الناعم،
فاني أقترب ــ هذا باب الملكة،
وهذه قدمي تروح اليه،
وانها روحي لفي غمد من الحياة
تبتهل وهي تصعد..)


مدورة قصائده لا تتوقف، مرويات متصلة بسرد يحفر في عمق المعاناة، انما التقطيع فيه إلي أسطر جاء فقط مثل مساحات لسحب النفس، والتأمل الموسيقي الداخلي الذي يتصاعد مع نشيج الحالة، باحثاً عن (جوهر العدل) في (رقبة المعلمة).
دائماً ثمة ثنائية لرجل وامرأة، مضمرة به أو طاغية الحضور، وسط زحمة التفتيش عن (أهلنا) تبقي حواء الحالات خدن أيام آدم الغريب، وانقلابات ما بعد الأسر، تطهو المرأة دموعها علي وهم رجل يعود الآن، لكنه يظل ذاكرة مدونات علي لفائف البردي مخطوطاً أحرقته العثة، أما (هو) فقد (صار له قدحان من خشب وروح مبهمة).
كل نص في اشتغالات محمد عيد ابراهيم يمتد ويتأهل بما قبل وما بعد.. لذا يتعب النقد التطبيقي في ملاحقة معني المعني في تأويل القراءة، ويكتفي بلذة النص المغرق بالأسي والخيبة، برغم تلك الاشاعات المضيئة لروح محترقة، هي فجأة الأمل، وليس فجيعة الزوال.
بلغة تبدو متعالية علي السائد والمألوف، يكتب محمد عيد ابراهيم نصوصه الشعرية، لذا فان (الكلاسيك) الذي يتماهي مع الارثي التقليدي الجامد لا يرقي بوعيه إلي تفكيك النص وقراءة نسيج خلاياه، ذلك ان النص ــ هنا ــ نقيض القراءة السطحية، وسهولة الكلام، لانه كتابة في الجوهر:

(علي الطرقات: لا تأنس بظلي،
فاني ذبيحة: قف!)
.....
(الذي استطيب معاشرته
أعقدوا اليوم عهداً
علي به، ال يفارقني
مثل روح عليها قرين،
إلي أبعد معلوم...)


بمناخ شبيه بتلك العشتاريات وأناشيد الانشاد وقصائد انخدوانا، دائماً، الزوال هو نقيض المحبة والعشق والتيه من معالم عصرنا المقلوب، فالعشاق غرباء ومستباحون وبلا أهل.. لذا يبحث البطل عن ملاكه الأحمر وسط الجلجلة، أو بعد ان انغرس المخلب في الفراشة!
ولكن أن يتحول (الثدي) إلي مخلب بفراشة! فتلك صورة نابضة بالعداء (فالزفاف إلي من غدر بي) من العنوان إلي تلك (النبضة العمياء) (قادني للشم، ثديك مخلب بفراشة).. صورة محمد عيد ابراهيم، موغلة في سورياليتها السوداء، فـ(حضنه أسود) لأن البشر (أقفال، بخار، صدأ)، شعره بعامة، لا يتلي بل يقرأ علي أناة، وأكثر من تأمل، فجمله المركبة، الغرائبية، لا تتحدث عن السهولة والتلقي المباشر، لأنها أصلاً معقدة، مبهمة، ومعتمة، في أغلبها..
(فالصيف طال علي البلاد) بصوت بقعه الدمع ان جاع.
محمد عيد ابراهيم، تفزعه (فرحته)، كأن شعره لم يستشعر الفرح ويحسه أو يلمسه، المرأة حاضرة في شعره، بلا شك.. لكن النصوص تأخذنا إلي تلك الاحتدامات المشوشة، الخانقة والمختنقة من الهواجس:

(ربطت علي إصبعك
ونزعت
في عطش الزئير إلي القدرة
الأقرب من الانفجار
بسرداب قلبي الذي أسد عليك
وكم في الحريق
ارتكنت علي جنبي أراك
قميص لحمك منقور
جنتك تحررت،
مثل كلب حجري).
هل يتحرر (الكلب الحجري)؟


انه بثقل المأساة تحول إلي سكون أزلي، غير قابل للحركة، فكيف التحرر؟
شعر محمد عيد إبراهيم لنخبة النخبة، لا يتعاطي مع المتلقي، في أيما مساحة سهلة، وهو نمط تركيبي غرائبي للتشكل، ينتمي إلي مضاد عصر يستسهل التلقيات من فضائيات عليها ما عليها من تهمة (ثقافة السندويج) أو الحدث السياسي الأخباري.أو الإكسسوارات الحديثة، إلي (كنتاكي) و(البتزا هت) و(ماكدونالد ــ الهامبرجر الأمريكي) مما تسميه الإعلانات: (وجبات التوفير اليومية) أو ما يسميه العامة: (الوجبات السريعة)!.


ليست هناك تعليقات:

الأكثر مشاهدة