بحث هذه المدونة الإلكترونية

30‏/12‏/2021

الفصل الأول من الترجمة الكاملة لكتاب سوزان برنار: قصيدة النثر من بودلير حتى الآن

قصيدة النثر من بودلير حتى الآن

الفصل الأول من الترجمة الكاملة لكتاب "سوزان برنار" الذي يحمل عنوان: "قصيدة النثر من بودلير حتى الآن"، والذي ترجم سابقا على شكل مختارات واختزالات


بودلير والغنائية الحديثة تموجات احلام اليقظة وخفقة الجناح الاخيرة

- سوزان برنار


ترجمة: راوية صادق (مترجمة من مصر) - مراجعة: رفعت سلام


ذات يوم، حدد "بودلير" الفن - في صيغة مدهشة - بأنه سحر إيمائي يحتوي الشيء والموضوع في آن واحد، العالم الخارجي للفنان والفنان نفسه.(1) ويلاحظ دانييل - رويس أنه يمكن تطبيق هذه الصيغة على القصائد النثرية الصغيرة في "سأم باريس"، (2) مثلما على "أزهار الشر": بل ربما نجد - أيضا - في "سأم باريس" تأكيدا أشد على الشعور بالانصهار بالتطابق بين الشيء والموضوع: كل هذه الأشياء - كما يقول "بودلير" - أمام مشهد يجري، تفكر من خلالي أنا، وأنا أفكر من خلالها(3). هذا التشتت (أو هذا التوسع) للـ"أنا" سوف تساعد عليه أجواء المدينة الكبرى: ففي المشهد المديني، وفي قلب الحشد المتنوع في أشكاله، يحس الشاعر بشخصيته تتضاعف، وهو ثمل من "المشاركة الكونية"(4). وتصبح روحه المنبسطة روحا جمعية تبكي، وتأمل، وتتنبأ أحيانا(5). وعلى نحو متبادل، فعندما يعبر عن شخصيته الخاصة، وصداماته وشكوكه، ومتطلباته المتناقضة، فإنه يعبر عن الروح الحديثة بكل تعقيدها، كما صاغتها الحياة المحمومة اللاهثة والمصطنعة للعاصمة.
ويقترح "بودلير" على حبيبته - في دعوة الى السفر (نثر)- الذهاب الى هولندا ليتحلى في "توافقها الخاص بها(6)، " فإن أشعاره الباريسية (ولا سيما المكتوبة نثرا) تقدم لنا مظهرين متشابهين و"متوافقين" يلخصهما "تيبوديه" بأنهما تعرية روح في مدينة كبيرة،وتعرية روح مدينة كبيرة (7) وما يجب التأكيد عليه هو الأسلوب الشديد الوعي والقصدي تماما - الذي استهدف "بودلير" تحقيقه في "سأم باريس" ؛ هو شعر العاصمة. فأرابيسك الزهور – الذي يحيط بصولجان باخوس – لا يمكن إدراكه، في هذا الديوان،، بدون العصا التي تسنده (8) أريد أن أقول أن باقة القصائد هذه، ذات المظهر المتحرر والمتنوع تلتف حول خط مستقيم، هو – هنا – قصد يدعمه شعر حديث ومديني. وفي هذا العمل الأكثر تفردا، والأكثر قصدية – على أية حال – من أزهار الشر (ولابد من أخذ تصريح "بودلير" بعين الاعتبار(9)) يحدد المفهوم،لأبنية الديوان فحسب بل التعبير والشكل المستخدمين أيضا. إنه القصد الحداثي الذي يجب التأكد عليه أولا، فهو الذي سيقود استخدام النثر كأداة شكلية.

"جوال باريسي" وتأثير "سانت بوف"

"عند تصفحي - للمرة العشرين، على الأقل لـ "جاسبار الليلي" الشهير لآلويزيوس بوتران... واتتني فكرة محاولة شيء على مثاله، وأن أطبق على وصف الحياة الحديثة، أو - بالأحرى - على حياة واحدة حديثة وأكثر تجريدا، النهج -التصويري بشكل غريب - الذي استخدمه في رسم الحياة القديمة "؛ ذلك ما كتبه "بوذلير" في إهداء Dédicace الى "أرسين هوسايي"، الذي نشر في "لا بريس La Presse "، عام 1862- العشرين الأولى من قصائد النثر هذه. اعتراف له دلالته: فما فعله "برتران" بالنسبة لباريس القديمة وديجون العتيقة، يريد "بودلير"(10) أن يفعله لباريس عصره: فشعر حديث لا يمكن أن يكون - بالفعل (وهو ما يؤكده "بودلير" أيضا) - إلا شعرا مدينيا وصادرا مباشرة - عن مخالطة المدن الكبرى، التي شهد القرن التاسع عشر تطورها المخيف وهو يتسارع.
منذ عام 1846 وفي تعبيره عن نظريته في "لحداثة" - هذا الجانب الهارب والنسبي من الجمال والمتنوع مع كل عصر - أضاف "بودلير" أن الحياة الباريسية مفعمة بالموضوعات الشعرية والعجيبة (11) ولكن في حوالي عام 1860 سنراه مشدودا بشكل خاص الى العاصمة، الخزان الذي لا ينضب من الأنماط والأحلام: يكتب "لوحات باريسية" (التي ستشكل في طبعة عام 1861 - قسما جديدا من "أزهار الشر") ويبدأ قصائده النثرية ويخصص مقالا (في نهاية 1859 وبداية 1860) حول "رسام الحياة الحديثة "، "قوسطنطين جيز":
عشقه ومهنته أن يعانق الحشد... إنه معجب بالجمال الأبدي والانسجام المدهش للحياة في العواصم، انسجام مصون بفعل العناية الالهية في خضم الحرية الانسانية. إنه يتأمل مناظر المدينة الكبرى، مشاهد الأحجار يداعبها الضباب، أو تضربها لفحات الشمس (12(
و"بودلير" - مثل جيز - يريد أن يكون "المتسكع الكامل"، في مطاراته - "الجمال العابر، الهارب، للحياة الراهنة (13) لقد فكر - عام 1860- في أن يسمي ديوانه الذي يضم قصائد النثر،"لطواف المنعزل" أو "الجوال الباريسي" (14) ونحن ندرك أن انجاز هذه القصائد كان يتطلب - في ذلك الحين، وكما سيكتب الى "سانت - بوف" من بلجيكا في 4مايو 1865 - "إثارة غريبة، تحتاج الى عروض، الى جمهور، وموسيقى والى مرايا عاكسة حتى". و" حمام الجمهور الشهير هذا"، الذي يتحدث عنه في العامة،(15) باريس وحدها هي التي يمكن أن تمنحه كل ذلك. وبعيدا عن باريس، لن يكون لالهامه إلا أن يذوي.
لن نتمكن - هنا - من ترضيه تأثير "سانت - بوف": فكيف لا نتعرف في هذا الطواف المنعزل والمتأمل (16) على "جوزيف ديلورم" جديد، وهو يستسلم بدوره -على البلاط الباريسي- الى "الأفكار التي يولدها المسير"؟: (17) وهو تقارب أشار اليه "بودلير" نفسه -على أية حال- وهو يكتب الى "سانت -بوف"، في 15 يناير 1866، من أنه أراد تقديم "جوزيف ديلورم جديد يسقط فكره الرابسودي على كل واقعة في تسكعه". والواقع أنه وسط الجمع الباريسي، سيضيع المنعزل (الوارد من قصيدة / "الأشعة الصفراء الشهيرة") الذي كان "بودلير" يصفه بأنه "العـاشق الفاسد" (18)) التي تستجلب في مقاطعها الأخيرة، كما يقول "أ" فيران - "موضوع الرثاء الحديث كله المتطور في ديكور معاصر" (19)
هكذا يمضي فكري والليل قد جاء،
انزل بين الحشد المجهول
وسرعان ما اغرقت كآبتي:
اكثر من ذراع تحتك بي، ندخل حانة ريفية،
نخرج من الملهى والعاجز المخمور
يغني بصوت مرتعش لحنا مرحا.
انها ليست غير أغان، وصخب ومشاجرات سكارى
او عشق في الهواء الطلق، وقبلات بلا حياء،
وعواطف علنية،
أعود: وفي طريقي يحثون الخطى يتقافزون
طوال الليل أسمع السكارى في شارعي يجرجرون
اقدامهم
ويصيحون (20)

والجدير بالملاحظة أن "سانت بوف" يحلو له لا أن يغوص فحسب، كما يعلن، في "عمق الواقع الأكثر سوقية (21)" أي ان يتخذ نقطة انطلاقه من الحياة الخاصة واليومية (نعلم أنه كان يريد أن يبدع - على غرار شعراء البحيرة، ورد زورث وكولريدج - شعرا حميما، وخاصا، أليفا، ومألوفا، على نحو ما كتب في مقدمة عزاءات Consolations، وفي ملحوظة لـ "أفكار أغسطس" (22) - بل أن يلح على المظاهر الأكثر كآبة والأكثر دناءة لهذا الواقع اليومي: فأية أجواء هذه التي يرى "جوزيف ديلورم" فيها الشارع الخارجي، مكان نزهاته الداعرة:

هذه الجدران السوداء الطويلة المملة للعين. حزام كئيب للمقبرة الفسيحة التي يسمونها مدينة كبيرة، وهذا الأسيجة غير المقفلة تماما تمكننا من الرؤية عبر الفتحات والعشب المتسخ في بساتين الفاكهة، وهذه الممرات الحزينة الرتيبة وأشجار الدردار الرمادية بفعل التراب - وفي الأسفل - بضع عجائز يجلسن القرفصاء مع أطفال على حافة حفرة...(23)

الا نجد هنا - عام (1829) رد فعل ضد أوائل الالعاب النارية الرومانتيكية، "شوقيات Orientales " أو "أناشيد غنائية Ballades " والتجسيد المسبق لما ستصبح عليه الحركة الواقعية؟ ثم - في "السهرة " نوع من الثنائية الرمزية، التي تتعارض والأفق الضاحك لهوجو، والأفق الكئيب لصديقه - الذي يبدو وهو منعزل يملأ سهراته بهذا الهدوء المنهك وبهذه الأحلام التافهة ويطلق نوعا من التصريح الكئيب (24) هنا - ولا سيما في "ربة شعري" تعارض دال بين، "الجارية اللامعة" والـ "بيري"، أو العذراء الاقطاعية التي تلهم شعراء آخرين، وربة الشعر المعدمة المسلولة والمجروحة من الحياة، لسانت - بوف (25).
ألن تكون ربة الشعر هذه نفسها (ربة شعر "الوجود الناقص"(26)) هي التي ستسكن "سأم باريس"، مع كل هؤلاء المنبوذين، العجائز الفقراء، والعجائز المهرجين، والأرامل الفقيرات والشحاذين، والكلاب الهائمة، "الذين خرجوا من الحياة يعرجـون (27)، ومنحت - كديكور لهذه "الكوميديا المدينية " - الحديقة العامة حيث يبحث "الصعلوك" الشعبي عن التقاط بقايا الحفل(28) مجانا، والحانة التي نذهب اليها لاحتساء كوب من البيرة (29) والبيوت الحقيرة التي تنتشر وسطها رائحـة مقليـات (30) ؟ كومبارس غريب، وديكور شاذ لشخص متأنق ! نضال دائم ضد الصعوبات المادية ؟ فهل انتصر المحضرون والديون وبنك "مون - دي - بيتيه" على حب "بودلير" للرفاهية والجمال الشهواني(31) ؟ أعتقد - بالأحرى - أنه قام بجهد شديد الوعي لإدخال الواقع الأكثر ابتذالا في الشعر، وذلك إذا جاز القول - لخلق شعر من النثري. ويمكننا - بالقطع - أن نستخلص دلالة عميقة من المشهد الشائع.

ويكتب "بودلير" في مذكراته الخاصة:

في بعض الحالات ما فوق الطبيعية للروح، فإن عمق الحياة يتبدى - بكامله - في المشهد، رغم عاديته الشديدة، والذي نراه تحت عيوننا. إنه يصبح رمزا لها (32).

و" سانت - بوف " نفسه، "سانت - بوف " الذي أحيانا ما تشبه أشعاره - النثرية بشكل بشع شعر "فرانسوا كوبيه " على نحو تام، قد رأى - جيدا - أن الفنان يحدس فيما وراء هذا العالم الظاهر بالعالم الآخر، الداخلي تماما، الذي يجهله أغلـب الناس (33)، وهو ما يدعونا الى أن نكتشف - فيما وراء الواقعية السطحية للوحات المبتذلة ظاهريا- حياة أكثر غموضا وعمقا. ومع ذلك فإن موقف "بودلير" تجاه الواقع اليومي يختلف كثيرا - في "لوحات باريسية " - عنه في "أزهار الشر" (التي كتبت - هي أيضا، في معظمها - حوالي عام 1860- 1861) وعنه في "سأم باريس". وتبحث القصائد المنظومة:
في التعرجات الملتوية للعواصم القديمة
حيث يتحول كل شيء حتى البشاعات، الى تعاويذ (34)
عن الغامض (35)- قبل كل شيء - والمجهول (36)، واللقاءات الغريبة، والمجازات (37)، حتى لو انطلق "بودلير" من معطيات سوقية أو منفرة ("الشارع المزعج" (38) العميان "البشعين
حقا (39)" العجائز القصيرات، "مسخ متخلع"(40)) فذلك ليقوم بعملية التحويل الغامضة، التي يلمح اليها في مشروعه "خاتمة Epilogue وهو يخاطب المدينة:
لقد اعطيتني طينك فصنعت منه ذهبا (41)

وفي "سأم باريس" يظل الطين طينا، أسود ولزجا. ويسعى الشاعر - بقصدية تامة - الى استخدام هذه المادة الأولية، كما هي أحيانا كي يزيد من إحساسنا - على غرار "سانت - بوف" - بالوجود الذي يغوص في هذا الطين، ويبرر الهروب الدائم الذي يغري به عبثا الـ "حلم" (42)، وأحيانا للبحث عن مؤثرات هزلية أو تهكمية - على غرار "جويا" - بفلتات مفاجئة من الرقة، أو الغنائية: سأوحد المرعب الهزلي، بل الرقة بالحقد، ذلك ما كتبه "بودلير" الى والدت (43)، بصدد ديوانه. ويمثل هذه المؤثرات الخاصة بالتناقض، ومؤثرات الرتابة، كان "بودلير" يشعر بحرية في النثر أكبر مما في النظم. ألم يسبق وسجل - عام 1857 وهو يترجم أ. بو") أن كاتب القصة يمتلك في حوزته تعددا في النغمات وظلال اللغة والوقع المتأمل، والتهكمية، والسخرية، التي يتخلى عنها الشعر، والتي شأنها شأن تنافر الأصوات - هي إهانات لفكرة الجمال الخالص (44) ؟ وتكاد بعض القصائد الباريسية - في "سأم باريس" - أن تكون، تقريبا أقاصيص (صانع الزجاج الرديء، موت بطولي، اللاعب الكريم، فلنقتل الفقراء !) حيث يستخدم "بودلير" بكثرة - متأثرا في ذلك مباشـرة، بادجار بو (45) - "نغمات" سبق الحديث عنها. علينا - إذن - أن نقر بأنه يرى في قصيدة النثر شكلا أكثر حرية، أكثر "انفتاحا" من قصيدة النظم في قبولها بتنافر الأصوات، وانقطاعات النغمة، والسخرية بشكل خاص - الا يقول عن "سأم باريس"، في فبراير 1866، أننا نجد فيه "كثيرا من الحرية والتفاصيل، والتهكم (46)"، بأكثر مما في "أزهار الشر"؟ وهنا ثمة تقنيتان مختلفتان تماما. ولا تنحو مؤثراتهما وايحاءاتهما نحو الشعر عبر نفس الطرق، ربما يكون "بودلير" أول من أدرك - بوضوح - الامكانيات التي يتيحها النثر كشكل للشعر الحديث، الذي يحتفي بكل تناقضات الحياة الحديثة.

النثر، شكل لشعر "حديث"

ومن الضروري حقا -هنا- فيما أعتقد الا نفصل "شكل" الـ "نثر"، الذي اختاره "بودلير" عن قصده الحداثي: فمن أجل ترجمة حياة وروح بشر القرن التاسع عشر في كل تعقيداتها. كان من الضروري استخدام شكل مرن. "مرن بشكل كاف"، وغير مستو بما يكفي ليتوافق مع الحركات الغنائية للروح، ومع تموجات أحلام اليقظة، وانتفاضات الوعي (47). ومن اللافت للنظر أن هذا النموذج عن "نثر شعري" -كما عبر عنه "بودلير" يبدو مرتبطا لديه بـ "مخالطه المدن الكبرى"(48) نثر بالغ السلاسة فحسب، ومتخلص من كل ضغوط شكلية (وهو ما يميز- للوهلة الأولى - "بودلير" عن "برتران") يمكن أن يقترن، بلا معاضلة، بنبضات الحياة، وتموجات الاحساس في قلب مدينة كبيرة.
ولا يخطي، "بودلير" في أن يرى - هنا "شيئا جيدا كإحساس وكتعبير.(49) هذه الرغبة في التنويع، وفي التناقضات، تتعارض مع مبدأ "وحدة النغمة" الذي تفرضه الجماليات القديمة. ونستطيع على أية حال - أن نتساءل: الى أي حد لا ينسجم هذا الميل الى "الشرائح Troncons " والى النغمات والأنواع الأدبية البالغة التنوع، مع تجزيء الشخصية، ومع تعددية تتناقض تماما والشعور الكلاسيكي بوحدة الفرد. إثراء أم تفكيك ؟على أية حال، فعبر رؤية مقطعية، وفي ظل مظاهر ليست تكميلية فحسب، لكنها - في الغالب - متناقضة، سيظهر لنا المشهد الروحي للشاعر، بكل تناقضاته، سيظهـر لنا المشهد الروحي للشاعـر، بكل تناقضاته وتنافراته، و"ابتهالاته" المضادة (51): وللتعبير عن كل هذه التناقضات، كل هذه الدوامات الذهنية، يحتاج "بودلير" الى شكل أكثر حرية من الشعر المنظوم الذي يلبي متطلبات أخرى بحركته الموزونة والمنتظمة، والقابلة لترجمة (أو إنتاج) السكينة، والنظام والانسجام.
ولاشك أن الشعر الرومانتيكي قد "فتلك الشكل الشعري، وقد تحدثت عن الحركة التحررية لهوجو، (52) وقد بذل سانت - بوف - أيضا - جهودا واعية للتقريب بين الشعر والنثر، لخلق ما أسماه "البحر السكندري العادي" (53)، فبطله "جوزيف ديلورم" أحيانا ما ينصح بالبحث - في الشعر - عن شكل "أقل صرامة" يمتلك "ميزة الطبيعية والبساطة"(54). ونعلم أخيرا أن "بودلير" قد سعى، أحيانا في "أزهار الشر" الى كسر انتظام الايقاع، والتوصل الى اضطراب إيقاعي arythmie أو -بالأحرى- الى ايقاع النثر، كما يكتب كاسانيي في ملاحظته عن هذه المحاولات العجيبة (55) – وذلك حينـما تتطلب الفكرة أو حركة الجملة ذلك: فالنبرة المألوفة للحديث في الرحلة (56):

قل، ما الذي رأيتموه
- رأينا كواكب
وأمواجا، ورأينا رمالا أيضا،
ورغم صدمات عديدة وكوارث غير متوقعة
فكثير ما أصابنا الملل، مثلما هنا
ومؤثر القطع المفاجئ في "هاوية" (57):
أخشى النوم مثلما يخشون حفرة عميقة
محاولات كهذه تظل محدودة للغاية، طالما نرفض المطالبة (مثلما سيفعل الرمزيون) بحرية الشعر الكاملة. ويظل مؤكدا أن المجرى المنتظم للبيت الكلاسيكي لا يتوافق واضطرابات وتعرجات
الوجود الحديث، فيبدو لي من المستبعد - مثلا الا يكون "بودلير" قد انزعج، مادام قد عرف جيدا "الأشعة الصفراء"، من عدم توافق الشكل مع الموضوع في المقاطع الشعرية الأخيرة (58)، ومن الارتباكات التي تقود اليها متطلبات النظم (التورية أكثر من ذراع تحتك بي، والتعاكس "عواطف علنية"). وعلى أية حال، فقد انزعج من عدم ملاءمة مفردات تطبق كل اكليشيهات الشعر الكلاسيكي لوصف حياة حديثة ومدينية: وهو يكتب الى "سانت - بوف أنه ثمة في "جوزيف ديلورم":أعواد، وربابات، وقيثارات، ويهوه أكثر من اللازم. وهو ما يشرب القصائد الباريسية (59) لكن هذه المفردات السامية، أليست هي - بالتحديد - ثوب الشعر الكلاسيكي، أو - بالأحرى - سترة نيسوس" الخاصة به ؟ لقد تحدث "هوجو" - وحتى "بودلير" - عن موجات وجرار في أشعارهم.
فمن يدري؟ ربما انتاب "بودلير" الندم - أحيانا ما - على أن يجد نفسه، حسب صيغه "رامبو" مشنوقا بالشكل القديم(60)، وربما كان سيبحث وقتئذ - في النثر - وبالتحديد في النثرية، أقصد عن حرية الشكل والتخلي إراديا عن المقاطع واللازمات والتماثلات وحرية النغمة، والتعبير، والابتعاد عن كل مؤثرات "النثر الشعري" التي سعى اليها سابقوه. محاولة أصيلة - بالقطع - وخصبة في إمكانياتها. لكن حرية الى هذا الحد لا تعدم بعض المخاطر - وهذه المخاطر، التي التزم "بودلير" - بالضرورة - بمواجهتها، كانت تتضاعف بمخاطر أخرى، ترجع الى الصعوبات المادية والثقافية التي كان الشاعر يواجهها. وعلينا - الآن - أن نحكم على "بودلير" وفقا لانجازاته.

الإيجاز

يدهشنا تضارب الآراء، عند بحثنا للأحكام الموجهة إلى "سأم باريس"، فالبعض يعجب ببودلير الذي -وقد رفض كل تأثير للأسلبة Stylisation أو الموسيقية - قد نجح، رغم ذلك، بالنثر الأكثر إيجازا، والأكثر "نثرية"، قي أن "يقول الأكثر من خلال الأقل (61)" بل يذهبون إلى حد اعتبار "التعاويذ الايمائية" أكثر فاعلية في قصيدة النثر مما في المقطوعة المنظومة، وذلك في الحالات التي تكون فيها المقارنه ممكنه (62). ولا يرى الاخرون - في "سام باريس" سوى نثر خالص، ولا يمنحون اسم قصيدة النثر إلا لمقطوعة وحيدة هي "محاسن القمر(63)" فبم نفسر تضارب الأحكام إلى هذا الحد؟
بطبيعة الحال، علينا أن نضع في الاعتبار الأفكار المسبقة، وأن نرى عبر أي منظار ينظر النقاد. فبالنسبة لجوستاف كان (وستتاح لنا فرصة العودة اليه) الذي يدرك قصيدة النثر باعتبارها نوعا شكليا وفنيا صرفا، يهيمن عليه البحث البارع عن الجناس و الايقاعات - فإن الشكل شديد الحرية لبودلير هو شيء بلا معنى، وبالعكس، فإذا ما اعتبرنا قصيدة النثر - مثل "بلان" - نوعا من النقيض من "النثر الشعري" والموزون، يستخدم - في الارتقاء بنفسه – "نثرا خاما(64)"، غير إيقاعي، فسنحيل إلى البحث عن نماذج له في "سأم باريس" لا في "الأناشيد الغنائية" لآلويزيوس بوتران. إنها خاصية قصيدة النثر - هذا النوع المنقسم - التي تمضي في اتجاهين متعارضين، يتذبذب بينهما الشعراء والنقاد: الاتجاه إلى الانتظام، والكمال الشكلي - والاتجاه إلى الحرية، بل إلى الاختلال الفوضوي - مظهران أكدت عليهما في التو.
أما وقد فرض ذلك، فإنه يتبقى - في الأساليب التي تستخدمها قصيدة النثر سواء ارتبطت ببعض أشكال المعمار الشفاهي، أو - على العكس - بتدميرها، فإنها يجب أن تنحو - دائما - نحو أهداف تتخطى تلك الخاصة بالنثر الدارج، ولا تتعارض مع الخصائص اللانفعية، والغموض، والكثافة، التي هي بعض من خصائص الشعر. ولنعد إلى "بودلير"، فهل استطاع منح نثره -البالغ التحرر عن قصد، والمفتقر غالبا، إلى كل الزخارف اللفظية أو الموسيقية – "البريق التحتي" الشهير، الذي سيتحدث عنه "مالارميه" (65) ؟ وهذا النثر النثري أهو -أيضا- شعري؟
علينا أيضا أن نتأمل - عن كثب - تقنية "بودلير" فيما يتعلق، من ناحية، ببنية القصائد، و"الأرابيسك" الذي ترسمه العناصر المتنوعة، و- من ناحية أخرى - تنوع النغمات المستخدمة وعلاقاتها مع خط الجملة، وغالبا ما يمكن توضيح هذه الدراسة بالمقارنات سواء مع النثر أو الشعر المنظوم،وأخيرا فإنه من الضروري مراعاة العنصر الشخصي - أقصد الفارق الذي يفصل المجموعة الأولى، القصائد التي نشرت في "لابريس" - عام 1862 - عن القصائد التالية، المكتوبة بعناء وبطء متزايد: في 23 يناير 1862، أحس "بودلير" "بإنذار غريب"، إذ هبت عليه "ريح جناح الغباء(66)" فمعطيات المشكلة - كما نرى - معقدة، بما سيجبرنا على التخفيف من حكمنا.

أ- ارابيسك القصائد. قصائد فنية وقصائد "رابسودية"


ما أجاد "بودلير" قوله - عن الفنان التشكيلي، عام 1859: يمكن أن يقال أيضا عن الشاعر: فـ "كل العالم المرئي" -أي في حالتنا الآنية، المدينة وشوارعها وسكانها - ليس سوى مخزن لصور واشارات سيمنحها الخيال مكانا وقيمة نسبيتين، إنه نوع من العجين، على الخيال أن يتمثله يهضمه ويشكله (67) ولن تكون قصيدة إلا اعتبارا من اللحظة التى يأخذ فيها الكاتب العناصر التي يتيحها الواقع و" ينظمها بفن معين(68)" ليصنع منها إبداعه الخاص. وموقع هذه العناصر في "ارابيسك" القصيدة والطريقة التي تعمل بها ضمن الكل، والتي يتفاعل بها الواحد مع الأخر، لانتاج مؤثرات الانسجام أو التناقض، وأخيرا، خضوع هذه العناصر لـ"الفكرة المولدة" ولـ "القانون الأعلى للانسجام العام(70)"، الذي سيمنح القصيدة نبرتها الخاصة ووحدتها، كل هذا ذو أهمية قصوى (وهو ما لا ندركه -دائما -بشكل كاف) في هذا الابداع لـ"عالم جديد(71). عالم شعري.
كيف يدرك "بودلير" في "سأم باريس" -هذا الصياغة للعناصر التي يتيحها الواقع، والتي تعتبر أحدى الأدوات الرئيسية التي يتمتع بها شاعر النثر ليكتب قصائد لا نثرا - وكيف يحققها؟ هذا ما يتوجب علينا بحثه أولا.
سنرى أنه لا غنى - هنا - عن تأمل التواريخ جيدا: فالخطأ في ذلك (والواقع انني لا أعتقد أن أحدا قد فعل ذلك، حتى الآن) لن يمكننا من متابعة التطور الداخلي للفكر الابداعي عند "بودلير" في الفترة من 1857 حتى 1866.
ففي عام 1899 بعث "بودلير" إلى "دنوييه" - من أجل ديوان "فونتنبلو Fontainebleau" المشترك - بأولى قصيدتيه النثريتين: "غسق المساء" و"العزلـه" (72)، بالاضافه إلى قصيدتي "غسق" من "أزهار الشر"، معلنا عدم قدرته على الكتابة - في شعر منظوم – "عن الطبيعة (...) عن الغابات، عن أشجار البلوط الكبيرة، عن العشب، وعن الحشرات (73)، ويضيف:
في أعماق الغابة، وأنا محبوس في هذه القباب الشبيهة بقباب الكنائس والكاتدرائيات، أفكر في مدننا المدهشة، والموسيقى الاعجازية التي تدور حول القمم تبدو لي ترجمة للنواح البشري.
لكن، في عام 1857، عندما فكر - حقا - في كتابة ديوان من قصائد النثر، وفكر في تسميته (ربما تحت تأثير "جاسبار الليلي"؟) بـ "قصائد ليلية" (74)، لم تكن غديته استغلال هذه القريحة في الشعر "المديني"، بقدر ما استهدف كتابة عمل نثري نظير لـ "ازهار الشر".اربع قصائد - عام 1857( من خمس (75)) تستعيد - في الواقع - موضوعات متماثلة (في "أي مكان خارج العالم Anywhere out of the world ، نجد موضوع "الرحلة" وفي "المشروعات"،نجد موضوع "البوم"، كموضوعين يختلطان بالايحاء الغرائبي الموجود في "البعيد عن هنا")، أو متطابقة ("ازدوجت" قصيدة نصف كرة في خصلة شعر بقصيدة "خصلة الشعر" وقصيدة "الدعوة إلى السفر(ازدوجت بقصيدة تحمل نفس العنوان في "أزهار الشر") ففي قصائد عام 1857 هذه وفيها فقط - تقريبا يبدو أن "بودلير" كان يبحث، تحت تأثير "ألويزيوس بوتران" بلا شك، عن تماثلات شكلية، ومؤثرات اللوازم أو التكرارات الصوتية، التي تفرض على القصيدة - مثلما يفعل المقطع الشعري وبيت الشعر- معمارا معدا سلفا. وفي "أي مكان خارج العالم"، ثمة لعبة اقتراح ورفض تبادلية، مع تصاعد لقلق يؤدي إلى نتيجة مفاجئة، وفي "نصف كرة ثمة مؤثر الانتظام المستمد من التكرار، في مقدمة كل مقطع (76) لكمات شعرك أو "خصلة شعرك" وفي "الدعوة إلى السفر"، عدة استعادات لتعبير (بلد النعيم.. بلد النعيم الحقيقي. بلد النعيم الحقيقي، أقول لك)، وفي الختام تجميع لكل الموضوعات المثارة، التي تلتحم لتكون بورتريها مماثلا للمرأة المحبوبة (فالكمات: "إنه أنت.. نحوك أنت. تستعاد ثلاث مرات، في هذا المقطع الأخير) وعلينا أن نضيف أن السجع والمحارفة، اللذين رصد "كريبيه و"بلان" تكرارهما في نصف كرة في "خصلة شعر(77)" يخلقان إيقاعا صوتيا شبيها بما تحدثه القافيه: Un charmant réve plein de voilures et de matures.. ou l'atmosphere est parfumee par les fruits, par les feuille
(حلم ساحر مليء بالأشرعة والصواري.. حيث الجو ممطر بالفواكه والأوراق) واذا ما لاحظنا إلى أي حد يحرص "بودلير" على وحدة المناخ ويتجنب كل تنافر صادم، حتى خلال سعيه إلى بعض المؤثرات التصويرية، فإننا نميل إلى أن نستخلص أن هذه القصائد هي أكثر قصائد الديوان وضوحا ووعيا من ناحية الاعداد الفني. ولنضم اليها - إن شئنا – "دوروتيه الجميلة"،وهي قصيدة فكر "بودلير" - طويلا - في منحها الشكل المنظوم و"التعداد الغنائي" لـ"محاسن القمر"، بتكرارها الواسع للتموجات (78) - من خلال حركتها المزدوجة المتماثلة، التي تشعر الروح بالتوازي الذي
تخضع له مصائر العشاق "غريبي الأطوار"، وسنتوصل إلى الجانب التناغمي و"الفني" لفن "بودلير"، كشاعر نثر، عندما سيجتهد لخلق عالم كل ما فيا ليس سوى:
نظام جمال
رفاهية وسكينة ونشوة

لكن اعتبارا من 1861، سوف يسيطر الالهام الباريسي على شعر "بودلير": فيعطي مجلة "لاروفي فانتازيست" ثلاث قصائد باريسية: "العامة" و"الأرامل" و" المهرج العجوز" (والأخيرتان - وهو أمر دال - كانتا محل تقـدير خاص من "سانت – بوف (79)"، وقد ألف "بودلير" أربع عشرة قصيدة أخرى، ستنشرها "لابريس في اغسطس وسبتمبر 1862.(80)
عندئذ، أحس "بودلير" بكل الصعوبات الملازمة لمفهومه الواقعي والـ "رابسودي" لقصيدة النثر(81) فإذا ما أردنا أن نعرض لجوال يسقط فكره على كل واقعة في تسكعه، فإنا سننكر من نفس المنطلق أي تكوين وأي إعداد فني: وكي نستعيد التمييز الذي أجراه "بودلير" في صالون 1859، فلم يعد الأمر يتعلق - عندئذ – "خيال خلاق"، لكن بـ "فانتازيا"(82)، بـ"مصادفة" (83) إن شئنا، هذه المصادفة التي اعتبرها "بودلير" قبل "مالارميه" - متعارضة مع العمل الفني. وسنرى "بودلير" في قصائد عام 1862 هذه - موزعا بين الرغبة في الاستسلام إلى مصادفات التسكع (بالخضوع إلى العالم الخارجي، إلى الشيء) والرغبة في تنظيم قصيدته في شكل فني: إنه الصراع دائما، "الازدواجية بين الفنان وموضوعه بين الفكر والمادة.
وسواء ما إذا كان "بودلير" قد أحس بضرورة التركيز والوحدة المتطابقين مع المفهوم الجمالي الأعلى لـ"بو" لا يجب أن تتسرب - في التكوين كله - كلمة واحدة، بلا قصد لا تنحو بصورة مباشرة أو غير مباشرة - إلى انجاز مخطط تم التفكير فيه مسبقا(84) واذا ما كانت لديه - من ناحية أخرى - أفكار دقيقة إلى حد ما، حول بنية قصيدة النثر، فلدينا الدليل على ذلك في التعديلات التي أدخلها على نص نثري كتبه عام 1853- هو "أخلاقيات اللعبة" - ليجعل منه، عام 1862، إحدى "قصائده النثرية" العشرين، ويتناول نص عام 1835 تطور الاختلافات بين أنواع اللعب: "الاختراعات الصغيرة الأرضية"، و " اللعبة الحية"،و "اللعبة العلمية"،الخ. وعلى سبيل التوضيح، يدرج "بودلير" هذا "الشيء المرئي" خلال الاحصاء:
وبصدد لعبة الفقير، فقد رأيت شيئا أبسط، بكثير لكنه أكثر كآبة من اللعبة التي يبلغ ثمنها مليما - إنها اللعبة الحية (85). وفي قصيدة النثر، يستخدم "بودلير" - كمقدمة - ما قاله عن "الاختراعات الصغيرة الأرضية"، لكنه يكثف ويحذف التحديدات التقنية الزائدة، والتأملات ذات اللهجة الأخلاقية الخالصة، ثم يدخل - دون تمهيد - في صلب الموضوع.
فكيف سيرفع من شأن هذه الطرفة إلى مستوى القصيدة ؟ أولا بأن يمنحها مغزى مختلفا: فسوف يشدد على الرمز، وذلك بتطوير فكرة النص الأول عن "أسوار الحديد الرمزية" وسيكشف الطفلان - الغني والفقير - كل منهما للآخر عن ألعابهما، "عبر هذه الأسرار الرمزية، التي تفصل بين عالمين، الشارع الرئيسي والقصر"، ويجد "بودلير" - في الختام - خيطا موفقا يوسع من الطرفة ويمنحها ملمحا روحيا:
وأخذ الطفلان يتبادلان الابتسام في أخوة، بأسنان ذات بياض متساو(86). هو الخيط الختامي الذي يعتبر - لحما يقول "جـ. كربيه" – "الضوء الأكبر لهذه اللوحة العذبة" (87)، أعده "بودلير" بملاحظة كعب - في أرابيسك القصيدة - دور الوسيط ونقطة التحول: لم يعد الفقير الصغير يوصف - (كما في المقال النثري – كـ "أحد هؤلاء الصبية الذين يشق المخاط عليهم - ببطء - طريقا بين الوسخ والتراب"، لكن على نحو أكثر مثالية، باعتباره أحد الصبية المنبوذين، الذي ستكشف العين المنصفة مواطن الجمال فيه، إذا ما نظفته من أوكسيد البؤس الناتيء والمنفر، مثل عين العالم التي تتخيل لوحة مثالية تحت الطلاء اللامع لصانع المركبات". وفي المقام الثاني، فهذا النص -الذي لم يشكل في صورته الأولية إلا مقطعا واحدا وجزءا من كل أوسع -قد اقتطعه "بودلير" ونظمه في ثماني فقرات: ونستطيع أن نستخلص من ذلك أنه يضع نفسه ضمن مدرسة "برتران"، فيعتبر التقسيم إلى مقاطع من خصائص قصيدة النثر، أليس المقطع:le couplet – هنا - هو المرادف لـ "المقطع الشعري la strophe "في الشعر المنظوم؟ وعلى أية حال، فهذا التقسيم يسمح له بتهوية قصيدته، وبأن يفصل العناصر بوقفات إيمائية، فيبرز الخيط الأخير - على ايجازه - بطريقة أكثر تأثيرا أيضا.
ونستطيع - على نفس النحو - أن ندرس بنية "الغريب" و" لكل خرافته" و "الغرفة المزدوجة" (كيلا نذكر سوى أكثر قصائد "بودلير" نجاحا، بما لا يمكن إنكاره)، لنصل إلى نتيجة مفادها أن الانجاز في هذه الأعمال - الرمزية أو الغنائية - متحقق على مستوى القصد، وهو - هنا - قصد شعري وخلاق، على نحو صريح. ولنكتف بالنظر - عن كثب أكثر - إلى "صلاة اعتراف الفنان" - وهي إحدى القصائد التي تساهم في خلق "غنائية حديثة" تجعلنا نشعر بتمردات وطموحات واحباطات روح حديثة من نمط "بودلير" نفسه. ولن نجد مثالا أفضل منها على "سحر إيمائي" ينطوي - حسب تعبير "بودلير" - على "الموضوع والشيء"، على الأرابيسك المزدوج للعناصر المادية: اللازوردي، والبحر بأمواجه، والشراع البعيد، وعناصر روحية تتجاوب معهم، لتشكل لوحة قوية البنيان حيث لا شيء مجاني: فاللازوردي يتجاوب مع انطباع باللانهائي وبالروحانية (العفة والشفافية) ومع البحر انطباع بالجمال الثابت وغير المحسوس، ومع الشراع المرتعش في الأفق شعور بالضعف والعزلة، يتجاوب مع الوجود العضال للشاعر ويقوده إلى صرخة رعب امام الاتساع الرهيب للمشهد، وعجزه عن ترجمته (88). ولفهم الطريقة التي تعمل بها العناصر المختلفة - من الناحية الجمالية - فلنفكر في الدور الوسيط الذي يلعبه هذا الشراع الصغير، وهو العنصر الانساني الوحيد في المشهد، الذي يصنع بشكل ما الانتقالة بين المشهد والانسان.
وعلى العموم، فالبناء أكثر تركيبية - في هذه القصائد التي نعثر فيها على موضوعات "بودلير" الغنائية الكبرى - والعلاقات المعمارية مدروسة بشكل أفضل، وقانون الانسجام العام تمت مراعاته أكثر. وفي المقابل، فإن نقص الوحدة الفنية فاضح - غالبا - في القصائد الباريسية، وذلك بسبب نزعتها "الرابسودية" نفسها.
ولنأخذ - على سبيل المثال - قصيدة "الأرامل": لقد أحس "بودلير" نفسه - بمساويه هذه الصفات الملفقة الواحدة في الأخرى، التي اجتهد لخلق وحدة لها -رغم أنها مصطنعة - من خلال الجملة/المفصل: "من هي الأرملة الأكثر حزنا والأكثر إثارة للحزن، تلك التي تجرجر في يدها طفلا لا تستطيع أن تقتسم معه أحلام اليقظة، أم تلك الوحيدة تماما؟ (89)" (في "العجائز القصيرات" من أزهار الشر" - لا يطور "بودلير" غير نموذج واحد). لكن الاستطرادات في نفس القصيدة - تلعب، فيما يتعلق بالحفل الموسيقي، دور فاتح شهية حقيقي. وأخشي أن يكون "بسانت – بوف" - بشعره المتراخي الذي يتبع مصادفات النزهة أو المحادثة (انظر -من بينها - محادثة الحفل الراقص (90)) قد أصبح أستاذا خطرا على "بودلير".
والخطر - بالنسبة للباقي- يحس به "بودلير" جيدا: فهو يجتهد - على سبيل المثال - في "المهرج العجوز"، ليؤلف وينظم لوحة العيد السوقي، فيصنع تقابلا يتخذ شكل تعارض حاد - بين الجانب المضيء، الصاخب (انفجار جنوني للحيوية (91))، والجانب المظلم والكئيب، ذلك الركن الذي يقف فيه المهرج صامتا وساكنا "تناقض بين المظاهر الخارجية والنزعات الأخلاقية في آن. وهو يجتهد - أيضا - للارتقاء بالوصف من خلال الرمز الختامي، الذي برغمه (وربما بسببه) تظل القصيدة كلها - فيما يبدو لي - في منتصف الطريق بين النثر والشعر، فالمستوى الحكائي والمستوى المجازي متجاوران، وليسا ممتزجين (انظروا على النقيض - التداخل البارع، في قصيدة "البجعة" من "أزهار القسر"، للوحة "الحداثية" والرمز).
لكن هناك -أيضا - ما هو أكثر خطورة ويكمن فيما يمكن تسميته "المرحلة الثالثة" من تأليف "سأم باريس" (بعد نشر العشرين قصيدة الأولى، وحتى موت الشاعر) وسيهدد خطر جديد الوحدة الداخلية للقصائد وتوازنها: هو الرغبة - التي لم يستطع "بودلير" مقاومتها - في ترميمها بعد فوات الأوان، وفي استعادتها في اتجاه شواغله اللحظية. وأحيانا ما كان يتم تصحيح النص بعد عدة أعوام فاصلة: كيف يمكن - إذن - للقصيدة أن تحافظ على الوحدة، على كلية التأثير(92)" التي كان "بودلير" يعتبرها ضرورية - مع ذلك - للعمل الفني: ولا شك أن الفقرات الثلاث التي تختتم - اعتبارا من 1864- "غسق المساء"،لا ينقصها الجمال، في تدفقها الغنائي، لكن "بودلير" - عندما أضافها إلى النص الأولى، الحكائي الخالص، والمفترض أن ينشر في ديوان "فونتانبلو Fontainebleau" (93) كيف لم يشعر أنه يطعم قصيدة أخرى بالأولى، مختلفة في الخصائص والالهام ؟ وتعديل قصيدة "مشروعات" أكثر غرابة - وأكثر إزعاجا -أيضا ففي عام 1864، كان ذهن "بودلير" موجها نحو مشروعه في شعر "تسكعي" و"رابسودي" كان يريد أن يعرض لشخص جوال، تتشبث أحلام يقظته كما سيكتب إلى "سانت – بوف" - بكل واقعه في تجواله، يتعلق الأمر - هنا - بحديقة يتم عبورها أو بخاتم يرى في "محل لبيع أعمال الزنكوغراف" او فندق نقابله "خلال المسير في شارع رئيسي (94): "كل هذا الديكور المتكلف -إلى حد ما - لم يكن له وجود عام 1857، ولا حتى عام 1866 (95): فعبر المشهد الداخلي الوحيد - فحسب - تجول خيال الشاعر، والأخطر أن الخاتمة شديدة الاختلاف: فهي أكثر عادية، وأقل "بودليرية".

1857

الحلم ! الحلم ! دائما الحلم الملعون ! إنه يقتل الفعل ويأكل الزمن ! - إن الأحلام تخفف من لحظة الحيوان المفترس الذي يضطرب فينا، إنه سم مسكن يغذيه. أين يمكن العثور -إذن – على كأس عميقة بما يكفي، وسم كثيف بما يكفي للقضاء على الحيوان؟

1864

حصلت اليوم، في الحلم، على ثلاثة بيوت، حيث وجدت لذة متساوية. لماذا أجبر جسدي على تغيير المكان طالما روحي تسافر بهذه الخفة ؟ وما الجدوى من تنفيذ أية مشروعات، ما دام المشروع - في ذاته -هو متعة كافية ؟
هذه التحولات في اتجاه السطحية (96) تشوه ضمن ما تشوه أيضا كثيرا من قصائد المرحلة الأخيرة: لهاث، ونضوب في الخيال الخلاق (وعبثا سيسعى "بودلير" لانجاز مؤلفه "الكتاب
الملعون"(97)) وهو نوع من التورط ايضا في النثريه، الذي حكم مفهوم ديوانه نفسه على "بودلير" بأن يواجهه باستمرار ونشعر أن "بودلير" في أخر سنوات حياته لم يعد يمتلك القوة الخلاقة الضرورية كي يفرض على عادته نسقا فنيا، فيقتصر على "نسخ القاموس"(98).
يرتبط أرابيسك القصائد، وتوازنها البنيوي من ناحية بالمفهوم والغاية، بما يمثلان نتيجة لها أكثر غنائية أو أكثر رابسودية - ومن ناحية أخرى، يطول هذا الانحدار نحو الصمت ونحو الموت، بهذه الدرجة أو تلك من الحيوية الجسدية والفكرية للشاعر.إننا نمضي إذن من أكبر تلاحم فني إلى تهافت الشكل أو انعدامه، تقريبا.
ورغم هذا، ففي الشعر كما في الرسم لا يكفي تحديد المكان والعلاقات بين العناصر المختلفة للحصول على بنية متوازنة، فوحدة الانطباع،والاتساق العام، يرجعان كذلك إلى اتساق النغمات وهذان اللفظان نغمة ودرجات اللون المستخدمان بكثرة في التصوير الزيتي، وفي الموسيقى. لماذا لا نطبقهما على الشعر؟ فبودلير نفسه، كما رأينا يذكر في حديثه عن القصة "النغمة التأملية والتهكمية الساخرة (99)، ويستدعي أيضا في ملاحظة من "مذكرات شخصية" - نغمة ألفونس رابيه - نغمة البنت المصونة (فاتنتي! الجنس المتقلب !) - النغمه - الأبدية (100) وفكرة إثراء الشعر لا بالموضوعات فحسب، ولكن بالنغمات الجديدة، التي كانت محظورة حتى ذلك الحين، هي كما سبق وقلت إحدى غايات "سأم باريس" الكبرى(101) فهل تتفق مع ضرورات العمل الشعري؟

ب– حداثة وجدة النغمات من السخرية إلى الغنائية:

علينا أن نؤكد -أولا على الأصالة المطلقة لبودلير في هذه المحاولة لاثراء المجال الشعري، وترجع هذه الأصالة - في المقام الأول - إلى اقتراحه باستبعاد البهرجة التقليدية، وتعرية قلب حديث (قلبه) بكل تعقيداته،واندفاعاته، وضغائنه وتعاقبات أحلام يقظته، وصفائه الساخر وذلك بأن يقوم بعمل الشاعر لا عمل رجل الأخلاق. ومن المدهش - في الواقع - أن نلاحظ، حتى في هذه الفترة، أن مؤلفي قصائد النثر ("سواء كان اسمهم "بارني" أو "بوتران" أو "لامنيه" أو "رابيه" أو "جيران") كانوا يسعون إلى أن يضفوا على أنفسهم روحا غرائبية، توراتية قديمة، من العصور الوسطى.. كي يخموا قصائدهم -بفضل المسافة والابتعاد في الزمان والمكان - هذه الهالة الشعرية، التي لم تعد تعويذة الشعر تأتي لهم بها أبدا. وينجم عن ذلك أن نبرة "برتران" التهكمية، أو عنف "لامنيه" - رغم أنهما منحا شعرهما لونا خاصا -قد احتفظا بشيء ما أكثر أدبية، ينطوي على ما هو أقل بعدا وعمقا من تهكمات أو اندفاعات "بودلير" الغنائية. ثمة غنائية أكثر قليلا، لكن ثمة ذبذبات حداثية محدودة لدى معاصرين عرفهم "بودلير"، جيندا: فـ "لوفيفر - دومييه - الذي كان بمقدوره قراءة نثره في "لارتيست"(102) يثري أحلام يقظته شديدة العمومية والأخلاقية، برموز وصور "رومانتيكية" بأكثر مما هي "حداثية" و(عندما يستعير صورة من الفوسفور أو من المراكب البخارية. يتكون لدينا انطباع غريب بالهجران)، ويلجأ "بابو" كي يكتب رسالة هجاء ضد "فيبيو" والقساوسة الكاثوليك إلى الاستعارة المسهبة والطنانة في خمسة أجزاء من "الشجرة السوداء" (التي نشرت عام 1860، بخطابات هجائية ونقدية") وأخيرا "هوسايى"، الذي يتملقه "بودلير" بشكل مقبول على قصيدة اغنيه صانع الزجاج (103)، هل فتح الطريق حقا أمام شعر حداثي ومديني ولا يجب أن ننسى -أولا - الأغنية الوحيدة من نوعها بين كل القصائد والنقوش البارزة السفلية القديمة النثرية، في أشعار كاملة، وأن هذا الموضوع - الواقعي المعاصر - قد تطور، بعد ذلك بالطريقة الأكثر سطحية، وبأكثر ما يمكن تصوره من برودة وعظية. ولي أن أعتقد - عن طيب خاطر. كما يقترح "جـ. كريبيه" (104)- أن قصيدة "صانع الزجاج الرديء" الموجودة في "سأم باريس"، التي نرى فيها الشاعر يتسلى بتحطيم المواد البائسة لصانع الزجاج، يمكن اعتبارها ردا عاجلا شديد الخبث على أغنية الأخوية لهوسايى. 
وربما كان "شانفلوري" وحده - الذي نادرا ما يذكر من بين اسلاف "بودلير" (105) والذي لم تكن نعمة الشر نفسها قد زارته بأكثر من «هوسايي» -قد حاول، في خيالات واناشيد غنائيه (106)، استخدام قريحة مدينيه وحديثة، وربما يكون مسليا أيضا - من خلال المقارنة مع الغرفة المزدوجة "في أزهار الشر" (أهو التقاء؟ أعلينا - حقا -أن نتحدث عن "مصدر" ما؟) أن نرصد في كلب - حصاة الوصف، على عمودين متقابلين، لـ "سقائف الشعراء" (مثل الأحلام والخيال) و"سقائف حقيقية، تكدرها الكآبة والقذارة: "لا ورق، بل حوائط مصفرة ألبوم جداري يحمل اثار مرور كل المستأجرين.. (107)" ومن البديهي تماما رغم هذا أن "شانفلوري"، اذا ما كان قد استشف بعض الاحتمالات التي أتاحها له عصره، في الشعر النثري، فإنه لم يتمكن من التوصل إلى نغمة ولا إلى شكل لغنائية حديثة. ومن جانبه، كان "بارني دور فيني" - المحصور تماما في البحث الشكلي وفي إطار النشيد الغنائي - قد جلب لقصيدة النثر بعض نبرات غنائية جديدة، لم يستطع "بودلير" أن يتحصل منها سوى على بضعة أصداء في "إيقاعات منسية Rhythmes oubliés النادرة، المنشورة في ذلك الحين (108).
والواقع أن نبرة حديثة حقا قد ظهرت في نثر هذه الفترة: نبرة ساخرة، تهجمية، تربط "الرقة بالحقد"، وأحيانا المنطق بالعبث. وهي ما نجدها في روايات "باربي دورفيبي" ولدى "كلاديل (109) - بل في غالبية القصص الأكثر مكرا، لأنها أكثر ايجازا: ويستشهد "بودلير" أو يدرس "بتروس بو ريل" – "طبيعة مرضية"، و"سحنة متغضنـة (110)"، و "شانفلوريد" الذي سدد "منظارا شعريا –مزدوجا" إلى الحوادث، والمصادفات الهزلية أو المؤثرة، للأسرة أو للشارع (111). و"آسيلينو"، الذي عرف كيف يقدم شرعية العبث وما لا يصدق، والذي يقلد - أحيانا - استدلالات الحلم الغريبة (112)، و"بو" - بشكل خاص - الذي يمثل اصل النبرة المختالة المتأملة في "سأم باريس". ويكفي أن نقارن الوقائع الخيالية لـ "أ. ديشام" - على سبيل المثال – بـ حياة آسيلينو المزدوجة، لنرى العبور من الخيالي "الرومانتيكى" إلى خيالي يندرج في قلب الحياة الحديثة، وشديدة التلوين بالفكاهه (113).
ولنضف أننا - اعتبارا من 1832- نستطيع أن نقرأ في "حوليات رومانتيكية" نثرا عجيبا: "قبة العجزة" و "هلوسات" بقلم.... "دي بلزاك" الذي يصف السراب الذي يثيره غدير ماء وقد أصبح هلوسة، تحت التأثير المترافق للنبيذ ولموسيقى "هارمونيكا رخوية" ومع أعمال كهذه، يمكن تماما (مثلما بالنسبة لحكايات "بو" و"آسيلينو") أن نطبق كلمة "بودلير" حول "خاصيتي الأدب الرئيسيتين": ما فوق الطبيعية والسخريـة (114).
وعلى أية حال، فكتابة القصص رغم كثافتها وشعريتها الشديدتين - تخطف عن كتابة قصائد النثر. و"بودلير" الذي اقترح لنفسه في "ملحوظات"، ان يظل دائما شاعرا، حتى في النثر(115) لا يريد أن يكتب نثرا في "سأم باريس" إنه يريد خلق شكل جديد للشعر، قابل لاستقبال كافة الأصداء وكل تنافرات الأصوات التي تمنح قصص معاصريه نبرة حديثة، إنه يريد - عموما -خلق غنائية حديثة. لكن السمة الخاصة بـ غنائية كهذه - عليها ترجمة الحركات الأكثر تشوشا للروح، والعبور (عند الضرورة بلا انتقالة) من السخرية إلى التمرد، ومن الكآبة إلى الحماس - تحتاج إلى مقدرة خاصة من الكاتب. ولم يكن "بودلير" على أية حال - جاهلا بمخاطر شعر النثر، التي تعتبر على نفس مستوى الفانتازيا في التصوير الزيتي -أكثر خطورة لأنها أكثر سهولة وانفتاحا (116). واذا ما شئنا. في الواقع -الا نستغرق في النثر، فمن الضروري أن "نجلي" المشاعر ونسيطر عليها، مهما كان عنفها، ومن هنا تنشأ القصيدة - تطهير Catharsis لا غنى عنه لكل عمل ينتظم في شكر فني، حيث لابد أن تسيطر روح الفنان على مادته ومن ناحية أخرى، فعلينا الا نظل تحت أو فوق "توتر" معين ضروري لاحكام نغمة القصيدة، مثله مثل توتر أوتار الكمان، على سبيل المثال. واذ يرتخي هذا التوتر، يتم السقوط في الاستطرادات، وفي حلم اليقظة الرابسودى والمبالغة في الاطالة، التي طالما انتقدها، "بودلير" في اعقاب "بو" في القصيدة (117)، فعندما تصبح مبالغا فيها، يعاني منها انسجام القصيدة ونقاؤها الشعري، وذلك شيء محسوس - بشكل خاص - في بعض القصائد الهجائية، حيث ينطوي التهكم على شيء من الاطالة والنشاز ("المبهج"، "الكلب والقارورة"، "المرأة المتوحشة").
واحدى النغمات الأكثر جدة، والأكثر إدهاشا في الديوان هي - بالبديهة، وقد أدركنا ذلك سلفا السخرية، هذه السخرية الفظة والمخاتلة، النابهة - كما يقول "بودلير" - من "طريقة تفكير" شيطانيه (118)"- سلاح قاطع ذو حدين، مشرع - أيضا - ضد الشاعر نفسه، موضع السخرية والاستخفاف والمحتقر (119) ضد السوقية الانسانية وما يسميه - في "أزهار الشر" – "الغباء في مواجهة الثور". هذه القسوة المزدوجة تفسر العنوان الذي فكر "بودلير" لفترة ما، وتحت تأثير بتروس بو ريل - في أن يضعه على قصائده: "قصائد ذئبية صغيرة"(120). وهي مع ذلك ليست إلا شكلا عدوانيا لذهنية موجودة الآن في "أزهار الشر"، لا تخفف في شيء (وهو ما لاحظه "تيبوديه") من اللهجة القارصة والموجعة (121) لبعض القصائد، "اختبار منتصف الليل"، على سبيل المثال. ونجد صدى شعر 1863- نثرا - في الساعة الواحدة صباحا" - (المنشورة عام1862)، وهي قصيدة حافلة بتهكمات على الغباء والرشوة المعاصرين (ونجد صدى لها في المذكرات الخاصة (122)، وذات نبرة أكثر إيلاما - في واقع الأمر، ايضا مما هي ساخرة: إن انتفاضات الوعي (التي يتحدث عنها "بودلير" في إهداء) تقود الشاعر، هنا مباشرة إلى صرخة جميلة ليأس غنائى "يجعل هذا الاعتراف خفقة الجناح الكبيرة والأخيرة(123). لكن صفاء "بودلير" القاسي هو في أغلب الأحيان بلا مقابل غنائي: إنه يصوغ نغمة ثلجية، أو على النقيض سخرية قاسية، لا تسمح بظهور مشاعر المؤلف الخاصة وهنا، يكمن بالنسبة لبودلير "أسمى الفن"(124) فمن الاستهزاء إلى التهكم، ومن ملمح السخرية إلى التناقض الخداع، يزمع "بودلير" أن يستنفذ في نثره كل سادية القبح البالغ، كما يكتب "بلان" الذي يضيف أنه من هنا يقدم نفسه كمخلص لانفعالية سنوات شبابه (125): ولكن في الفترة نفسها التي ألف فيها الشاعر "سأم باريس" ألم يكتب، في مذكراته الخاصة أن المتحذلق ليس لديه ما يقوله للشعب "سوى الاستهزاء به (126) واحتقار كهذا للبشر تعايش مع مشاعر رأفة - مخلصه - نحو التعساء. وذلك أحد تناقضات هذا الرجل المزدوج homo duplexبودلير.
ويبقى أن نعرف ما إذا كانت نغمة مخاتلة متأملة كهذه - باردة السخرية، حيث تظهر الفرحة بالجرح الإرادي للمشاعر المسلم بها - قادرة على إحداث هذه الإثارة، "هذا الخطف للروح، الذي (على ما يقول "بودلير "مقتفيا "بو" (127)) يصنع وحدة القصيدة. ونشعر تماما بذلك التلذذ الكريه، الذي يكشف في "الحبل" بشاعة التفاصيـل (128)، وفي "لنقتل الفقراء" العطف المزيف نحو الشحاذ الذي ضرب لتوه ضربا عنيفا (129)، ولن يندهش أحد إذا ما عرف أن عدة قصائد لبودلير قد رفضت لمدة طويلة من المجلات لعدم إمكانية نشرها، ومن بينها "لنقتل الفقراء" لكنني لا أتحدث - هنا - عن اللياقة الأخلاقية: فالمشكلة المطروحة هي الخاصة بـ "الطاقة" الشعرية لقصائد كهذه. فهذه السخرية الباردة تتوجه إلى ذكاء القاريء لا إلى حساسيته، وسيتم استيعابها وتذوقها من قبل أكثر مناطق الفكر صفاء - لكن، هل ستصل إلى هذه المناطق العميقة حيث تهتاج قدرتنا الحماسية، و "غريزة الجمال الأبديه"(130) فينا؟ أخشى ان نجد –هنا- نثرا لاذعا، ذهنيا، قاسيا كما ينبغي، لكنه ليس بشعر (الا يجدر بالملاحظة، فيما عدا ذلك، أن هذه النغمة الهازئة محسوسة، بشكل خاص في المقطوعات التي لم تعد قصائد بل أقاصيص حقيقية يمكن مقارنتها -إلى حد كبير بأقاصيص "بو"، "موت بطولي"، "الحبل"، "بورتريهات عشيقات"؟). إن "بودلير" الذي استشف شيطانية ما حديثة، لم تعد رومانتيكية لم يستطع أن يضفي عليها أصالة شعرية. ربما لم يكن لينقصه الكثير: مناخ من الفانتازيا، والغرابة (الذي نجده أحيانا لدى "برتران" أو في أيامنا هذه لدى "ميشو" مثلا) وهو ما يضاعف بغموض كثيف - هذا الجفاف شديد الذهنية، أو التدخل الشخصي من الشاعر، حتى وان كان في اتجاه العدوانية (كما لدى "لوتريامون). وأعتقد أن المزاج "الهيستيري" للشاعر- في "صانع الزجاج الرديء"(131) على سبيل المثال - أكثر شعرية مما في "لنقتل الفقراء"، وسلوكه كفيلسوف يراجع امتياز نظريته.
ورغم كل شيء، فلا يجب أن ننسى أن "بودلير" كان أول من بدأ في فتح أبواب حدائق غريبة إلى شعراء النثر، حيث تزدهر الدعابة السوداء. ويلاحظ "أ. بريتون" - الذي يذكر في "مقتطفات من الدعابة السوداء" قصيدتين نثريتين، "مبهج" و"صانع الزجاج الرديء" - أن "بودلير" يأتى بسلسلة من المباديء الجمالية الجديدة، التي ستتأثر بها كل الحساسية التالية (132).
ولاشك أن "بودلير" كان يزمع اكتساب مؤثرات عجيبة في التناقض، بأن يناوب بين هذه القصائد "الشيطانية" وقصائد اخرى أخلاقية واخوانية (133)، مثل "الأرامل" و"الجاتوه" و" المهرج العجوز". ويتجاوب هذا التنوع،وهذه البرقشة الذهنية مع الغايات "الرابسودية" للديوان، ومع الرغبة المزدوجة في الاشارة -من ناحية -إلى المظاهر المتعددة للروح المعاصرة، ومن ناحية أخرى، إلى كل الايحاءات المتنوعة التي يمكن أن يقدمها مشهد الحياة اليومية إلى "رجل الشارع". ويبدو أن ناقدا من ذلك العصر قد تبنى تماما هذه الطريقة في الرؤية، عندما كتب أنه في ديوان كهذا "يمكن لكل إيحاءات الشارع، والظروف والسماء الباريسية، وكل اندفاعات الوعي وكل خدر أحلام اليقظة والفلسفة والرؤيا، وحتى الطرفة، أن تلعب دورهـا، حسـب التـرتيب (134) ولن نستطيع أن نحدد. بشكل أفضل - محاولة "بودلير"... ولا أيضا المخاطر التي تحملها: فالنبرة الفلسفية أو الأخلاقية، والنغمة الموضوعية للحكاية ليست فقط بلا شعرية apoétiqueلكنها مضادة للشعرية antiapoétique (رغم أن الحكاية يمكن أن تكون نقطة الانطلاق، والفلسفة نقطة الوصول لقصائد جميلة للغاية). ولست بحاجة إلى التأكيد على الأثر الهدام الذي يمكن أن يتوافر عليه الاستطراد الفلسفي، والأخلاقي والتربوي، على الخيمياء الشعرية الهشة. وسأكتفي بالاشارة إلى كل ما يفصل "العجوز المهمومة" عن "الأرامل" و "العجوز القصيرة" في "أزهار الشر"، التي استخدمها كموديل له (135): فلا يتعلق الأمر أولا بمجرد امرأة عجوز، بل بأرملة فقيرة، تتناول غداءها في "مقهى بائس"، وتستفيد من مجانية "قاعة القراءة. انها نغمة الأخلاقي (136) محب البشر، المنقاد، نحو كل ما هو ضعيف، محطم مغموم، ويتيم. لكن هذه الحركة الهوجوية (نسبة إلى "هوجو") ستوجه القصيدة نحو غموض هذه "الحواءات" ذات الثمانين عاما، نحو ماضيهن الغابر ومصائرهن الغريبة، بل نحو الأساطير التي لا تحصى للحب المخدوع، والاخلاص المجهول، والجهود التي بلا طائل، والجوع والبرد اللذين يتم احتمالهما في صمت وتواضع (137). شيء غريب، فيبدو ان هذه الرداءة وهذه البلادة الكئيبة - المميزتين للفقر- قد بهتتا على شخصية المرأة العجوز المتصورة بشكل بدائي، كعجوز أمازونية، وهي - فيما تنصت إلى حفل موسيقى عسكري - تستنشق بشراهة هذا النشيد الحى والحربي (138).
فنحن نواجه الآن عجوزا بريئة تجد في هذا الفجور الصغير الأسبوعي العزاء المكتسب عن وحدتها وفقرها: لم تعد أحد شخوص "بودلير"، بل أحد شخوص "فرانسوا كوبيه" (وسنلاحظ كيف أن بلادة المفردات تستجيب لبلادة الفكرة). الا نعتقد أن "بودلير" إنما أراد أن يقدم هنا البرهان على كلمة "بو" التي ذكرها في موضع آخر: "الفقر ابتذال ومناقض لفكرة الجمال" (139).
وهذا "الابتذال للشعب الذي يرتدي القمصان والقماش الهندي(140) قد طاب لبودلير - رغم هذا - أن يصفه في "الأرامل" فحسب، بل أيضا في عدة قصائد من "سأم باريس": من بينها "المهرج العجوز" و "عيون الفقراء"، القصائد المفضلة لدى "سانت بوف" (141). إنه هنا يتخذ النغمة الأكثر تضادا مع الشعر التي يمكن وجودها ربما، نغمة "طرائفية" و "تسكعية": الواقعية والتدقيق النثري في التفاصيل اللذان ينافسانه في التصويرية، سواء الحقيقية أو المزيفة (142) فتحل الملاحظات السيكولوجية محل الخطوات الشاسعه مثل مركبات لـ "الروح الغنائيه" (143) مـواء البلاغة الصحفية (144) وابتذال المكان المشترك (الذي كان "بودلير" وهو ما يجب أن نقوله -يحترمه بشكل غريب) (145) يأتيان ليحولا دون أي شعر حقيقي ونلوم "بودلير"، لا لأنه أدار ظهره - فحسب -إلى الشعر عن عمد، كي يدلف إلى الأخاديد المرسومة سلفا لـ "الشيء المرئي"، وللصحافة ذات الشعرية المزيفه (146) بل ايضا لأنه سمح لكل مؤلفي المستقبل الفاشلين، لكل العاجزين عن نظم الشعر، بأن يطلقوا على كتاباتهم الوصفية (الباهتة) اسم "قصيدة النثر". فكم من معارض باريسية، بعد "المهرج العجوز"! كم من التعاطف المفتعل مع "الفقراء" و " الكلاب الطيبة ! كم من شهادات الشعر (شعر الروزنامة " الصادرة تحت تأثير هذه الكلمات السحرية، "مقهى"، "كباريه "، "كوخ حقير"، "أرغن صغير متنقل"! واذا ما كان "بودلير" جادا في تمنيه "خلق المبتذل التافه" (147) فعلينا أن نعترف بأنه تخطى - في ذلك - كل رجاء..
وسوف نرصد أن الملاحظات حول النغمات البالغة التنوع التي يميل "بودلير" إلى استخدامها في ديوانه، تنحو أكثر فأكثر إلى أن تصبح ملاحظات حول الإسلوب.، والواقع أن نغمة السخرية الباردة، التي تحدثت عنها في البداية ترجح أولا، من ناحية إلى فضيلتها في الابتذال، والى الشفافية التي يفرضها "بودلير" اراديا على أسلوبه والتي تتعلق فحسب ببلادة الألفاظ العادية، عبر بعض التعبيرات المحملة بالدعابة، هنا وهناك التي يتم التشديد عليها بشكل عام (مثلما عند "بو" "تجربة ذات فائدة أساسية" (إذ أنها موجهه إلى رجل محكوم عليه بالاعدام)،(148) "تكمن النظرية في أنني جنيت ألم المحاولة على ظهوركم " (قالها رجل محكوم عليه بالعقوبة لتوه.. وتلقى تأديبا ما) (149). أسلوب غير "سلس"(150) لكنه بسيط وخال من اللفظية، وفي الفقرات ذات النبرة الأخلاقية والفلسفية، تتوافر نفس الخصائص، مع ميل -رغم هذا إلى البلاغي: "زحام وعزلة. ألفاظ متساوية وقابلة للتحول..(151) "أراد بأن يقوم بالاحسان، وبتجارة رابحة في آن، أن يكسب أربعين فلسا وقلب الوجود، أن يختطف الجنة اقتصاديا، وأن ينال أخيرا ومجانا شهادة رجل محسن (152) (نفس الفكرة يتم تقليبها في أشكال مختلفة). وسيبحث "بودلير"، في النصوص الحكائية والوصفية، عن المؤثرات "الأدبية" بشكل خاص: كلمات دقيقة وتصويرية والمغفلون (153) "دانماركي، الملك شارل، كارلان (154) تعبيرات مزخرفة (155)، ومؤشرات أسلوبية متنوعة (156)، طرائق في أغلبها كما نرى تميز النثر الجيد.
ورغم هذا فعلينا أن نؤكد إلى أي حد كلما أصبحت النغمة أكثر شعرية وغنائية صراحة، رأينا تزايد عدد الصور والاستعارات هذا إلى الحد الذي تنتظم فيه القصيدة كلها حول رمز ما. وقد سبق لبودلير في بعض النصوص، مثل "الكلب والقارورة" و "المهرج العجوز" و" لعبة الفقراء" -أن جاهد لتوسيع وتجاوز الحكاية بواسطة الرمز النهائي.
وحسب تعريف الشاعر نفسه، نتوقع أن نجد في نشره تنوعا بالغا للحركات، يستجيب لجميع الحركات الداخلية لروح حديثة ومعقدة. وتتوافق ثلاثة أنماط من الجملة مع الحالات الثلاث التي يشير إليها وسأسردها في ترتيب معاكس لما يتبناه، بحيث أعبر من النثرية الإرادية إلى التحليق الغنائي:

1- نمط الجملة المتنافرة، التي تتجاوب بوسائل مختلفة (كسر الإيقاع، إيجاز التعبير، انقطاع النغمة أو التنافر الصوتي) مع "انتفاضات الوعي" وبالتالي - غالبا - مع نغمة سخرية أو تهكم ما.

2- نمط الجملة "المتموجة" إذا صح التعبير، أي الجملة الطويلة المتعرجة، التي تقدم نفس تعرجات أحلام اليقظة.

3- نمط الجملة الغنائية، المتصاعدة والدينامية، التي تتوافق مع المشاعر الحادة، والاندفاعات السعيدة أو الأليمة.

1- والواقع أن :

- من بين هذه الأنماط الثلاثة ثمة نمط لم يمنحه "بودلير" - حقا - وجودا أسلوبيا وهو الأول، فالجملة المتنافرة، المبتورة، المتوقدة، التي سيمنحها "رامبو" حق المواطنة في الشعر، والتي تقدم ايقاعا بالغ الخصوصية، انما هي غائبة من "سأم باريس". فعندما يستخدم "بودلير" في مذكراته الخاصة أسلوبا موجزا ذو اختصارات مدهشة، فذلك للتعبير عن أفكار يمنحها.
- طواعية - شكل الحكم: فضيحة رابحة (157)، لحقير من الأصدقاء كثير من القفازات (158) لكنه - عندما يمنح موضوعا ما شكلا أدبيا ، فإنه دائما ما يستخدم جملا تامة، واضحة ومبسوطة تماما بل مع نوع ما من الترف في الابدالات والعبارات الاعتراضية (159) وعلى أية حال فأعتقد أن "بودلير" عندما يتحدث عن نثر "متنافر" - فهو لا يعني الكثير من الجمل المهشمة، أو انقطاعات في البناء داخل الجملة، بل انقطاعات في النغمة (من جملة إلى أخرى) تنتج أثر القفزة أو التنافر الذي يمكن للنثر، على عكس الشعر، أن يتقبله، بل أن يسعى إليه من أجل قيمته المفاجئة، ويستخدم "بودلير" مصطلح "قفزة" هذا بطريقة دالة على "الشجرة السوداء" لـ "بابو" وهي قصيدة مجازية كبيرة في أسلوب نبيل، تنتهي على نحو مفاجئ بجملة ساخرة قاطعة ومحددة وحتى روح سيبريس وقعت: فييو!. لقد وجد "بودلير" المقطوعة كلها جميلة للغاية، "عدا كلمة" فييو، كملحوظة ساخرة كقفزة من نوع ما (160) أو ربما لتجنب تنافر مماثل (كما يفترض "جـ. كريبيه") فإنه يلغي النداء الختامي الوارد في مخطوط "لنقتل الفقراء": "ما قولك في ذلك أيها المواطن بردون ؟". لكنه يقبل. في مواضع أخرى - "قفزات معبرة"، تجعل القارئ ينتقل، بشكل مفاجئ، من مدى إلى آخر مختلف عنه تماما، ويصاحبها بشكل عام تغير في مظهر الجملة: وهكذا، ففي "الغرفة المزدوجة، تترجم القفزة التي تسم استعادة الوعي، والعودة إلى العالم الحقيقي، بجمل قصيرة وتعبيرات واقعية: أدها هي الأثاثات الغبية، المتربة والمهشمة: "المدفأة بلا لهب ولا جمر، ملوثة بالبصاق، النوافذ الحزينة، حيث شق المطر أخاديد في التراب، المخطوطات المشطوبة أو غير المكتملة، الروزنامة حيث حدد القلم تواريخ كئيبة!"(161). وبالطبع يمكن للقطن في النغمة وفي الأسلوب أن يؤدي إلى تأثيرات كوميدية مطلوبة تماما، حيث تحدث المفاجأة بشكل آلي ضحكة شيطانية إلى حد ما: تأثير مدهش بشكل خاص في "الحساء والسحب" وهي قصيدة بالغة القصر، تبدأ بجملة طويلة وشعرية "محبوبتي الصغيرة المجنونة كانت تقدم لي العشاء، وعبر النافذة المفتوحة لحجرة الطعام، كنت أتأمل الحركات المعمارية التي تصنع بالأبخرة والتكوينات الرائعة لغير المحسوس"، وتنتهي بتنافر بالغ، بجملة موجـزة وفجـة: ألم يحـن أوان احتساء حسائكم، يا بائع السحب (162) وعبر تنافر أصوات من نفس النسق (سقوط مفاجئ للحلم في الواقع) تنتهي أيضا قصيدة "عيون الفقراء"(163).
ونشعر تماما أن مقدمة هذه الملاحظات الصاخبة كي نتحدث على طريقة "بودلير" ترتبط بنبرة التهكم اللاذع، وهي نبرة حديثة أساسا، ما دامت تمثل انتقام الفكر من عالم مبتذل رمادي. وتنافر أصوات كهذا، رغم تعبيريته مع ذلك الا يتناقض مع "قانون الانسجام العام الأعلى" الذي طرحه "بودلير" نفسه والذي نشر في الشعر مثلما في التصوير على كل درجات لون اللوحة – وحدة "المناخ المهيمن" (164) ففي "الغرفة المزدوجة" حيث يطل التناقض بين الجزءين المتماثلين شعريا، لأنه يطابق فكرة المقطوعة نفسها، ولأن الواقعية لا تحظر نوعا ما من الغنائية نندهش، رغم هذا، من التأثير المتنافر الذي ينتجا في الجزء الأول ووسط انسجام درجات رقيقة متمازجة (165) استخدام كلمة "هدف صغير" للاشارة إلى عيني المحبوبة، المعبودة، ملكة الأحلام". والتأثير (المقصود، ربما) هو الخاص بملاحظة مزيفة: أيمكن أن نتخيل لحظة يتحدث فيها "بودلير" عن "هدف صغير" في "المشعل الحي" إن الرغبة في "التحديث" تقود "بودلير" هنا إلى ارتكاب خطأ فني.
ولا شك أن "بودلير" قد استشف إمكانية إدخال الايقاعات المتنافرة وانعدام توافقات العصر والوعي الحديث في الشعر، ليبدو بذلك سابقا لزمنه تماما، لكننا يجب أن نفكر أن مجاله كان بالأحرى هذا القطر الأدبي "حيث إن كل شيء نظام وجمال" وبشكل بالغ العنف إلى أن الوجود قد زعزع كيانه، ولم يكن فنه مهيأ لقبول الصدمات والتناقضات العنيفة: فالتنافرات الفظة، ومؤثرات الصدمة التي سيقوم "رامبو" مثل كتاب القرن العشرين بالاستفادة منها تخالف بفظاظة النثر البودليري المتماوج والصافي.

2- 

وقد تمثلت جهود "بودلير" الأكثر قيمة في نثره "تموجات أحلام اليقظة"، من ناحية ولـ "الحركات الغنائية" للروح من ناحية أخرى يتعلق الأمر في هاتين الحالتين في الواقع بسيول روح ملائمة للشعر وبما أسميته بالموسيقية فيكفي أن يصبح نطاق الجمل متجاوبا مع الحركة الداخلية التي تنشأ منه (هذه الجمل) وأن تتوافر على وظيفة إعادة الخلق.
ويشعرنا "بودلير" وبأفضل شكل عبر إبداع جملة سلسة، متماوجة ومتعرجة إلى أي حد تختلف الجملة الشعرية عن الجملة الخطابية: وبدلا من المرحلة المعمارية الكبرى، المتزنة تماما، والمتمدنة، لبوسييه مثلا أو بدلا من البنيات الثلاثية لهوجو، فإن هذه الجملة المتعرجة تدفعنا إلى التفكير في تلك التي استخدمها "سانت -بوف" في " لذة " واذا ما كنا نتذكر إلى أي حد خضع "بودلير" في بدايات شبابه إلى سحر:
هذا الكتاب الاثير لدى الارواح التي فترت همتها
والى أي حد بشكل خاص دفعه إلى الحلم بـ:
الاشتباكات الطويلة للجمل الرمزية (166)
فإننا يمكن أن نفكر على وجه الاحتمال انه قد امتلك بشكل واع إلى حد ما، هذا الأسلوب (أسلوب اللذة والفتور وأحلام اليقظة) عندما كان ذلك يتلاءم مع غاياته الفنية (167) إن الجملة الطويلة التي تسير ببطء عبر العبارات الاعتراضية المتعددة وتمتد أيضا في اللحظة التي نعتقد انها ستنتهي، تلائم تماما وبشكل خاص الإيحاءات الكسولة، هذا في "الميناء" حيث حركة الجملة و " تموجات" أحلام اليقظة تبدو وكأنها تقلد:
الهدهدة الأبدية للتموجات المسكرة
عندما يكتب "بودلير" على سبيل المثال"... ثمة نوع من اللذة الغامضة والارستقراطية، لمن أصبح بلا فضول، في أن يتأمل وهو ممدد في المقصورة أو مطل على رصيف الحاجز كل هذه الحركات لمن يرحلون ولمن يعودون، لمن مازا لوا يملكون رغبة الإرادة والرغبة في السفر والاثراء" (169). وسنلاحظ في هذه الجمل الأرابيسك المرسوم حول الفكرة الرئيسية: "ثمة نوع من اللذة في تأمل كل هذه الحركات"، من خلال العبارات الاعتراضية، وتكرار التركيبات الثنائية والتوسع الحادث للجملة، كخاتمة بواسطة تركيب ثلاثي.
وعلينا أن نضيف أن "بودلير في كثير من الحالات يستخدم بكثرة ما يمكن أن نطلق عليه "قطعا متعديا" (وهو على أية حال متكرر في الفرنسية) يتمثل في وضع علامة النبر الأخيرة لتركيبة ما على المقطع اللفظي الذي يسبق حرف "e" الصامت. هذا الحرف "e" يجد نفسه مندمجا في تركيب تال، ليتحقق من ذلك تأثير المنحنى والموجة المتماوجة: حرف "e" الصامت، الموجز بطبيعته، يعمق من الايقاع كما يكتب عن حق "مورييه" في هذا الموضوع (10) وكلما ازداد عدد النهايات المؤنثة، أصبح الايقاع بشكل عام متوازنا:

Cependant Dorothée/forte et fié re come le soleil, / s'avan ce dans la rue déserte,/seu/ le

vivante  cette heu/re sous limmense azur,/ et faisant sur la lumiére / une tache éclatante et noire. 


رغم هذا فدوروتيه/ القوية والفخو/رة مثل الشمس- تتقـ/دم في الشارع المهجور الوحيـ/دة الحية في هذه السا/عة تحت اللازورد الهائل، / وتشكـل على الاضـاءة / بقعة مبهرة وسوداء (171).


ولنلاحظ أن بضع فاصلات إضافية تكفي لتدمير الايقاع، "النحوي" فحسب بل أيضا الايقاع الموسيقي للجملة إذا ما كان "بودلير" قد كتب على سبيل المثال: "تتقدم في الشارع المهجور"
و"الحيه الوحيدة، في هذه الساعة...(172) 
وعن "دوروتيه الجميلة" بالتحديد، كتب الشاعر الى مدير "لاروفو ناسيونال" التي جرؤت على أن تجري على نصه تغييرات غريبة:
لقد قلت لكم: فلتحذفوا مقطعا كاملا، إذا ما كانت هناك فاصلة لا تعجبكم، لكن لا تحذفوا الفاصلة فثمة سبب لوجودها.
وأضاف وهو ما يثبت الأهمية التي كان يوليها الى بنية عبارته:
لقد أمضيت حياتي كلها في تعلم بناء الجمل، وأقول دون أن أخشي الضحك مني، أن ما أسلمه الى المطبعة مكتمل بشكل محكم (173).
وفي كثير من الأحيان يزداد بطء جمل من هذا النمط، بسبب استخدام الشرطة التي توقف من سيرها (نعم، في هذا المناخ سيكون لنا أن نحيا جيدا هناك، حيث الساعات الأكثر بطئا تحتوي على افكار أكثر)، أو بنقاط إطالة حقيقية تجعل وقفات التذكر الحالم على شاطيء البحر، كوخ جميل من الخشب، محاط بكل هذه الأشجار الغريبة الساطعة التي نسيت أسماءها... وفي الأثير أريج مسكر وغامض... وفي الكوخ عطر ورد ومسك قوي.. أكثر بعدا، خلف املاكنا الصغيرة، اطراف صوار تؤرجحها الأمواج...(174)
وثمة طريقة مدهشة أيضا أثيرة لدى "بودلير" تكمن في استعادة الكلمات التي تطيل الجملة، والتي تجعلها تعاود الانطلاق بشكل حلزوني:
العالم المتخدر يتهاوى ببطء وينام القيلولة / قيلولة هي نوع من الموت اللذيذ حيث النائم، وهو نصف مستيقظ، يتذوق لذات عدمه (175).
... هؤلاء الذين يحبون البحر / البحر الهائل، الصاخب والاحصر (176).
.... ما كنت أغرق في عينيك الجميلتين للغاية، والعذبتين بغرابة، في عينيك الخضراوين، المسكونتين بالكبرياء ويلهمهما القمر (177).
طريقة الاستعادة هذه التي تخلق في آن، تعويذة وايقاعا وتسمح للجملة بالانطلاق من جديد مع غزارة جديدة أكثر موسيقية من كونها منقية، فقد مررنا بها فيما سبق في "أزهار الشر" (178) وهي تختلف عن اللازمة، التي سندرسها فيما يتعلق بالجملة الغنائية.

3- 

وعندما نعبر من تعرجات أحلام اليقظة الى التدفق الغنائي (من "تبخر" الى "تكثيف" الذات إن شئنا (179)) فثمة دينامية داخلية معينة تتدخل لتنظيم الجملة بطريقة أكثر فاعلية، وتوجيهها نحو حركة صاعدة، فنهايات الجمل - بدلا من أن تسقط بطراوة أو تموت في موجات تخفي نفسها تشير على النقيض الى تصاعد الطاقة، وغالبا ما تنطلق في صرخة: "طبيعة ساحرة بلا رحمة غريم منتصر دائما، اتركيني (180) وتراكم الفقرة الأخيرة من "صولجان باخوس" في جزئها المتصاعد الذي لا يقل عن ثمانية أسطر سلسلة كاملة من الجمل الظرفية، كى تترك الجملة الرئيسية تتفتح في النهاية كسهم ناري: احييكم في الابديه !" (181).
وثمة تصاعد مماثل، لكنه يتعلق هذه المرة بقصيدة أخرى هي "المرمى والمقبرة " حيث تتطور الاندفاقة الداخلية انطلاقا من بداية نثرية، في جمل قصيرة لتوسع تدريجيا من الايقاع حتى الانفجار الأخير في مناجاة مسهبة من أنسنة "الموت" وعلينا أن نضيف أن العودة الملحة لكلمة "الموت" في نهاية الجملة ثلاث مرات، تنتج نفس تأثير اللازمة المشؤومة التي ترن مثل ضربة حزن، مثل لا أبدا ثانيه، لادجار بو في قصيدة "غراب" الشهيرة (182) إيقاعات، وأصوات، وصور (عطور الموت المحتدمة، كم كل شيء عدا الموت عدم) تتزاوج هنا لتمنح هذا التأمل حركة غنائية مؤثرة وتصبح أكثر تأثيرا ربما،عندما نتذكر أن "بودلير" قد بلغ ضفاف الموت المظلمة بالضبط في الفترة التي استأنف فيها صرخته عن "موت الفقراء":
إنه الموت ما يعزى، وا أسفاه ! ويحيى
وبديهي أن الاندفاقة الغنائية كثيرا ما تقربه وأحيانا بشكل خطر من حركة الفصاحة الخطابية الكبرى. وهو ما يحدث في القصيدة القصيرة "فلتسكروا، حيث يخاطب الشاعر القاريء (وهو أمر دال الآن) ضمن حركة واسعة على طريقة "هوجو" دون أن تفتقر الى البلاغة:
وأحيانا إذ تستيقظون على عتبات قصر، على العشب الأخضر لقبر، في العزلة الكئيبة لغرفتكم (183) وقد قلت الثماله الان او تلاشت، فتسألوا الريح، والموجة، والنجمة، والعصفور وساعة الحائط وكل ما يفر، كل ما يئن، كل ما يدور، كل ما يغني، كل من يتكلم (184) أسألوا كم الساعة، والريح، والموجه، والعصفور، وساعة الحائط (185) سيجيبونكم: "إنها ساعة الثمالة ..!(186)"
ولا فائدة من التأكيد على ما في تركيب كهذا من اصطناع، سنشعر بذلك على نحو أفضل إذا ما وضعنا في مقابله التماثلات ذات الدلالة التامة، والبلاغة المؤثرة للغاية في الحركة الغنائية الكبرى التي تختتم في الساعة الواحدة صباحا:
ساخطا على كل شيء وساخطا على نفسي، كنت أريد أن أعيد شراء نفسي وأن أزهو قليلا بنفسي في صمت ووحدة الليل، يا أرواح من أحببتهم ومن تغذيت بهم، فلتمنحيني القوة، سانديني، أبعدي عني الكذب وأبخرة العالم المفسدة، وأنتم سيدي يا إلهي ! فلتمنحني نعمة إنتاج بضعة أشعار جميلة تثبت لنفس أنني لست اخر الرجال، وأنني لست أقل من هؤلاء الذين أحتقرهم (187)


الأنساق الأسلوبية والإيقاعية


يقودنا ذلك إلى أن نطرح بشكل أكثر عمومية مسألة أنساق الأسلوب وخاصة التماثلات في النثر البودليري وفي دراسته لقصائد "سأم باريس" يول "جيزان" أهمية أعتقد أنها زائدة ء، للأنماط المختلفة للتماثل التي نقابلها (188) تماثل الأسماء، والصفات والأفعال والقضايا. وتنحصر قيمة الأمثلة التي يطرحها في الواقع في حقيقة أن:
1- التماثل أحيانا ما تقوده الفكرة نفسها (الغرفة المزدوجة) أو نغمة الفقرة (نغمة ابتهالات تكاد أن تكون تلك الخاصة بالصلوات في الفقرة الختامية لـ "في الساعة الواحدة صباحا" التي سبق أن ذكرتها).
2- غالبا ما ينحو "بودلير" (هل بتأثير تربيته الكلاسيكية) إلى تجميع الأسماء والصفات أو الأفعال بصورة مزدوجة أو حتى ثلاثية "متلاليء بالألعاب والبونبون، زاخر بالجشع واليأس (189)، كان صامتا وساكنا. كان زاهدا وكان معتزلا "(190). ويحدث ا`ن يقوده هذا البحث إلى منافذ خاطئة: "وسط هذا التشوش وهذا الضجيج، وسرعان ما أصبح كل واحد سعيدا، وتخلى كل واحد عن مزاجه السيئ" (191)، ولكن إذا ما نظرنا عن كثب، ألن نلاحظ أن "بودلير" يترك نفسه - بشكل خاص لينقاد إلى هذه الاعادات الخطابية والى هذه التماثلات، التي لا تتعلق بالتركيب فحسب، بل أيضا بالإيقاع، في النصوص التي يلهث فيها إلهامـه (تلك المكتوبة بعد عام في 1864)، وفي النصوص التي تقوده بحكم موضوعها إلى النثر مباشرة ؟ هكذا نقرأ في "المرآة": "من وجهة نظر الإدراك السليم، كنت محقا ولا شك، لكن من وجهة نظر القانون فهو لم يكن مخطئا"(192) وفي "حصان أصيل": "... ولم ينزع الزمن أي شيء من عرفه الغزير الذي يفوح منه في أريج وحشي كل حيوية الجنوب الفرنسي الشيطاني: نيم، اكس، آرل، آفينيون،ناريوني، تولوز، مدن مباركة بالشمس، عاشقة وساحرة "(193) وفي "الكلاب الطيبة ": "عبر الضباب، عبر الجليد، عبر الطين (194)، تحت القيظ اللاذع، تحت المطر المنهمر(195)، يذهبون ياتون، يركضون" (196) ويبدو أنه يطلب من البلاغة والوزن والتماثلات الشكلية. هيكلا يدعم إلهامه الخائر، ويمنح طوعا أو كرها شكلا "فنيا" لموضوعات ليست كذلك إطلاقا. وعلى العكس من ذلك يبدو أن "بودلير" في أفضل أيامه كان يقاوم "شيطان التماثلية إلى حد تجنبه بشكل خاص المقاطع المتشابهة والإيقاعات الثنائية.
3- وعلينا أن نؤكد أننا إذا ما وجدنا في الواقع تماثلات منطقية كثيرة في نثر "بودلير" فإن التماثلات الإيقاعية (الوزن الثنائي، والمتشابه المقاطع) نادرة للغاية فيه. وفي أغلب الحالات، يكسر "بودلير" الإيقاع عن عمد ويشكل من نثره حركة تموج واندفاق، بأكثر من أن تكون حركة توازن معماري: والانطباع كما يعترف "جـ. جيران" "كتلة وسكونية تقل عن السلاسة والانسيابية (197). فهو يكتب على سبيل المثال (كما يلاحظ "دبلان" وكريبيه") في "نصف كرة في خصلة شعر" لا: يحركهم مع يدي منى منديل، بل "مثل منديل معطر..." فالصفة تقطع كما يبدو الايقاع البالغ السهولة(198). وبالمثل فنحن لا نقرأ في قصيدة "أي مكان خارج العالم": "هنا يمكننا أن نأخذ حمامات ظلمة طويلة أثناء ما، كي نتسلى..."، التي يمكنها رغم ضعفها الشديد أن تؤسس إيقاعا زوجيا (8+8) بل نقرأ "غير أن.." (199) ولي أيضا أن أعتقد، عن طيب خاطر، أن سخط "بودلير" على مدير "لا روفو ناسيونال" الذي غير في نوبة من الحصافة، وشد تماما من قامته الطويلة، وظهره المحدودب ورقبته الزلقة، في "دوروتيه الجميلة"، الى "وشد تماما هيئات جسده،" (200) كان من الممكن أن ينشأ، أيضا، من أن الكتابة الثانية تنهي الفقرة بالبحر السكندري، وهو ما حرص "بودلير" دائما على تجنبه باهتمام بالغ: ولا أعتقد أننا يمكن أن نجد نهاية واحدة من هذا النوع في "سأم باريس". (وهكذا، فإن بيت "خصلة الشعر". من زيت جوز الهند، من المسك والقطران يصبح في قصيدة النثر: "قطران، ومسك، وزيت جوز الهند"، وهو- نقول ذلك بلا إلحاح - ما يمكن أن يكون حجة على أسبقية قصيدة النظم) (201).
وان يكون "بودلير" كما يقول "دانييل -روس " – "قد بحث بعناية عن الأوزان الفردية والتوافقات المتقطعة (202) `فإن الدراسة التفصيلية - لأي من القصائد الغنائية - ستثبت ذلك بأكثر مما يكفي، وها هي كي نكتفي بمثال واحد، بداية "الغرفة المزدوجة":
غرفة تشبه حلم يقظة،
غرفة حقا روحية،
حيث الاجواء الراكدة
ملونة بخفة
بالوردي الازرق
الروح تأخذ فيها حمام كسل،
معطر الندم والرغبة
انه شيء غسقي،
مائل للزرقة مائل للوردي،
حلم باللذة
اثناء الخسوف (203).

وسيادة الفردي بديهي هنا، ودراسة قصائد أخرى لن يؤدي إلا الى تدعيم هذا الانطباع.
ويبدو أن "بودلير" تجنب بشكل خاص نهايات الجمل، وبالذات في نهايات الفقرات - لا الايقاعات الزوجية فحسب، بل أيضا الايقاعات العريضة و"الأوزان الكبرى" (204). وهكذا، في "دعوة الى السفر": "إنها أيضا أفكاري الخصبة / التي تعود من اللانهائي/ نحوك (205). (والأثر الناتج هو تقريبا أثر رفض، بنزع الكلمة الأساسية). ونفس الأمر في قصيدة "لكل خرافته"، إذ أعتقد أنه يجب حذف الكلمة الأخيرة، ذات النهاية المذكرة، التي تتحطم عليها الجمل الختامية وقد توقف انطلاقها:
... قابلت رجالا كثيرين / كانوا يسيرون / منحنين.
... هؤلاء المحكوم عليهم / بأن يأملوا / دائما (206).
إيقاع مكسور يتوافق –هنا- مع اليأس الكئيب للشخصيات.
وبشكل عام، يبحث "بودلير" من ناحية عن ايقاع تعبيري، ويحترس من ناحية أخرى من "الشعر المنظوم داخل النثر"، من "النهايات الجميلة للجمل على طريقة "شاتوبريان"، ومن كل أنساق النثر الشعري والموزون المتكلفة.
وبالمثل، فليست الموسيقى اللفظية والتوافقات البارعة للصوتيات من مآثره، فهو يقتصر على البحث عن الجناس الصوتي التعبيري، فيكتب مثلا Les eaux elles- mémes sont comme éndormies (المياه نفسها وكأنها نائمة(207)، Le bruit eclatant.dun palais de cristal crevé par la foudre (الصوت المدوي لقصر من الكريستال، وقد دمرته الصاعقة) (208) La Lune descenit moélleusement son escalier de nuages (ينزل القمر بنعومة سلمه الغيمي) (209)، (تصحيحا لكلمة lestement – بخفة - التي كانت أقل إيحاء بكثير). 
وعلى أية حال، لا يتعلق الأمر بنسق - منتظم مثلما لدى "برتران"، والتجانسات الصوتية، أو السجع، أقل بكثير هنا عما في "أزهار الشر"(210) وعندما يكتب "بودلير" "أنها نوع من الطاقة التي تنبع من الملل ennui او من حلم يقظة reverie " فهذا الشلال من الـ "أ" لا يبدو مقصودا ولا معبرا عن شيء سوى عن نوع من اللامبالاة بالترخيم الصوتي، وهي نفس اللامبالاة التي تتضح عندما نقرأ:
"محبوس في أعماق قوتي العقلية confiné au fond de mon intellect أو "السؤال الوحيد l'unique question ،(211) (وهو أمر حقيقي، في قصائد متأخرة، شأن تكديس qui ( (من) وqui (ما) في "الكلاب الطيبة": "ces pauvre diables qui ont à affronter tous les jours lيndifférence du public et les injustices d'un directeur qui se fait la grosse pavt "et mange à lui tout seul plus de soup que quatre comédiens
(هؤلاء الشياطين البائسون من عليهم كل يوم مواجهة لا مبالاة الجمهور وانعدام عدالة مدير، من يجعل لنفسه النصيب الضخم ويتناول وحده من الحساء ما لأربعة من ممثلي الكوميديا) علينا إذن أن نقبل أن "بودلير" إذا ما تمسك بتبني الحركة الداخلية في حركة الجملة، التي يجب أن توحي بها، واذا ما كان يبحث عن الايقاعات والأصوات المعبرة، فإنه يرفض البحث عن الموسيقية في ذاتها، واضفاء أهمية على الشكل في ذاته. وسنلاحظ بالمثل أن استخدام اللازمة يتوافق في أغلب الأحيان (وحتى في قصائد (1857) مع غاية نفسية أكثر منها جمالية، ويصطنع عظما لدى "بو" "استحواذ الكآبة المبهمة أو الفكرة الثابتة، إن لم يلعب بتنويعاته على البلادة واللامبالاة (214) ولا شيء مشترك بين تكرار التعبيرات أو الجمل في "سأم باريس" واللازمة المجلوبة بعناء في أغنية صانع الزجاج "لهوساي" وقد سبق أن أشرت الى القيمة الايمائية لهذا "الموت" المتكرر ثلاث مرات في "الرماية والمقبرة "(215) واستعادة كلمات إنه انت.. إنه انت أيضا..نحوك في "دعوة الى السفر" (216) تكشف الفكرة الثابتة لدى الشاعر،الا وهي إقامة التطابق بين المشهد والمرأة المحبوبة، وفي "الرامي الأنيق" هو استحواذ المرأة الحتمية، الشهية والكريهة (217) في آن،والذي يترجمه تكرار الصفات امرأته العزيزة الشهية والكريهة، وفي قصيدة "سابقا" حيث يتكرر في الخاتمة بشكل مختلف مقطع شعري بكامله مملوء بالايحاءات الشهوانية، نستطيع أن نرى فيه البحث عن حركة متكاسلة ومهدهدة:
"رغم هذا كانت الأرض، الأرض بصخبها وأهوائها، بترفها وأعيادها كانت أرضا خصبة،ورائعة، تحفل بالوعود، التي تبعث لنا أريجا غامضا من الورد والمسك ومنها كانت موسيقى الحياة تصلنا في همهمة عاشقة"(218).
ومن المؤكد على أية حال أن هذه الاستعادات والتكرارات واللوازم رغم "تعبيريتها"، تلعب أيضا دورا في بنية القصيدة وتساهم في تحقيق وحدتها في طابعها المركب "كله" والجمالي وفي قصيدة "نصف كرة في خصلة شعر" تعبر لازمة شعرك.. خصلة شعرك بلا شك عن استحواذ شعر امرأة والقوة المسكرة للأحاسيس والأحلام التي يمنحها للشاعر، لكنها تسمح أيضا بخلق إيقاع سيفرض على هذه الأحاسيس شكلا فنيا، هذه القيمة المزدوجة التعبيرية والفنية، التي أكد عليها من قبل "جـ. رينولد" عن حق فيما يخص التكرارات واللوازم الكثيرة في "أزهار الشر" (219) تقودنا الى بعض التأملات الأكثر عمومية حول نثر´ "بودلير" الشعري.
والنثر الشعري ما يدركه "بودلير" عليه أن يحقق معجزة حقيقية (إنها الكلمة التي يستخدمها): معجزة التوازن بين النثر والشعر، بين التعبير والابداع.فبودلير فيما يعارض من ناحية، المفهوم الشكلي الصرف عن الجمال - يرفض أن يفرض على نثره أطرا جاهزة سلفا وزخارف مموهة، ويبحث عبر جمل سلسة شفافة، بلا زوائد عن اقتران أكبر قدر ممكن من الدقة بحركات الكائن الداخلي، وهو من ناحية أخرى يشعر تماما بأن العمل الفني لا يمكن أن يوجد بدون قدر ما من التعقيد، أو على نحو أدق من التركيب (220)، الذي يكشف التدخل الفني للشاعر الذي يفرض على المادة شكلا وانسجاما، وربما يمكن تلخيص هذا الطموح المزدوج في الصفة "موسيقى" التي يسم بها هذا النثر الشعري المثالي، القادر على التوفيق بين تموجات الحياة والتماثلات الثابتة لخطوط الجمال (221).
وهكذا، سيبدو لي من المفيد بشكل خاص المقارنة بين القصائد التي تعالج نفس الموضوعات، الواحدة نظما والأخرى نثرا: فهي تمكننا من أن نرى كيف يسعى «بودليرد» وهو يعبر من النظم الى النثر (والعكس أكثر ندرة) محافظا على نفس الفكرة الشعرية، وبواسطة تقنيات شديدة الاختلاف الى انتظام لهذا النثر في قصيدة، محافظا على سلاسته، وقد سبق ان اشرت الى ان "بودلير" كان يفكر عام 1857 في كتابة نثر مناظر لـ "أزهار الشر" (وفي عام 1866، سيقول أيضا أن "سأم باريس" يجب أن يكون مناظرا لـ "أزهار الشر" (223)، وتظهر قصائد 1857 هذه حسبما قلت، انشغالا بالمعمار والاعداد الفني البالغ الخصوصية: ولا يقل عن ذلك بأهمية أن تكشف اختلاف التقنيات والنتائج بين النظم والنثر.
وسأحاول الاشارة الى ما يتعلق بقصائد "نصف كرة في خصلة شعر" و "دعوة الى السفر" و "حافز مزدوج" (224) باعتبارها ذات أهمية كبيرة، لا بالنسبة لدراسة "بودلير" فحسب بل أيضا لدراسة قصيدة النثر، واحتمالاتها ومخاطرها.


قصائد نثر وقصائد نظم


ليس مؤكدا أن "خصلة الشعر" (المنظومة) قد سبقت "نصف كرة في خصلـة شعـر (225)، لكن الموضوعات الشعرية واحدة. ورغم هذا فبنفس الصور ونفس الإشارات، ونفس النغمات ينجح النظم والنثر في إصدار أصوات مختلفة، كما يكتب "كريبيه" و " بلان" اللذان قاما في طبعتهما المحققة من "أزهار الشر" وبطريقة شديدة التحديد بالمقارنة بين النصين (النصوص الثلاثة بالأحرى إذ تحتوي "نصف كرة في خصلة شعر" على بعض الأثار الواضحة للغاية من "عطر غرائبى"، وهى قصيدة سابقة هذه المرة ولا شك على قصيدة النثر) (226) وتكشف هذه المقارنة تماما مسيرة الشاعر المزدوجة الذي ينحو أحيانا نحو القصيدة ويستعير من النظم بعض الأدوات الشكلية (لازمة، سجع، جناس، ترتيب في مقاطع غنائية)، ويقف أحيانا على النقيض ضد الأساليب الشكلية وتماثلات الإيقاع والرطانة الشعرية، بما يسمح بالتالي بـ "مسحات ملموسة لا يستطيع الشعر أن يتحملها دون انفجارات تصويرية خالصة (227).
ولا شك أن النثر لا يمكنه أن يفكر في منافسة الشعر على أرضه الخاصة به أرض النظم: فنسيجه الأقل انشدادا يمنعه من تبلورات معينة وتراكيب ساطعة معينة، وفي مواجهة هذه القصائد المنظومة التي يمتدح فيها "جـ. رومان" عن حق الكثافة التي لا نظير لها" (228):
شعور زرقاء، وسرادق من الظلمات الممدودة،
تمنحونني لازورد السماء الهائلة والمستديرة.
يكتب "بودلير" بشكل مسطح إلى حد ما: "في لا نهائية شعرك أرى تألق لا نهائي اللازورد الاستوائي " فيلفي الصفة المدهشة زرقاء" (229) وصور السماء "الهائلة والمستديرة" التي كانت تحدد جيدا "قبة السماء هذه التي كثيرا ما ذكرها "بودلير" (230) وعلى نفس النحو وأمام إشارات تصويرية عن "الساعات المحسوسة للميناء، بين آنية الزهور والقلل المنعشة" (إنه السفر إلى جزيرة موريس) أي ثراء معنى وايقاع في هذه الهدهدات اللانهائية لوقت الفراغ المعطر
حيث ينجح "بودلير" في أن يحشد في المساحة الضيقة لبيت من اثنتي عشرة تفعيلة توليفة من العطر، والحركة والاحساس بالكسل والشعور باللانهائي! "كثافة بلا نظير"، بالتأكيد لكنها بالأساس خلق لـ "كلمة شاملة، وجديدة"، كما سيقول "مالارميه" (231) حيث تتحد الايحاءات وصوتيات الكلمة –المترابطا- وتمتزج بلا انفصال، خالقة بذلك موضوعا شعريا جديدا والنثر وخاصة "بودلير" التحليلي عن عمد لا يمكن أن يستفيد من تضييق كهذا. وعلى الجهد الابداعي أن يتوجه نحو بنية القصيدة ككل (والقصيدة القصيرة للغاية بالضرورة)، كي يخلق منها كلا، وحدة منسجمة ومكثفة. هنا يلجأ "بودلير" من أول القصيدة حتى آخرها إلى استدعاء لـ "أفكار" (تجسيد الذكريات الغرائبية في الشعر) و "صور" (صورة المحيط مثلا، تمتد عبر استدعاء "ميناء" و "شواطيء") و " كلمات " و "صوتيات" (تكرار كلمة "خصلة شعر" وهي مدهشة بشكل خاص)، و" إيقاعات " (يتم خلق الايقاع هنا عن طريق البدايات المتشابهة، مثل بناء واصاتة المقاطع 4 و 5 و 6 مع نوع من الخاتمة في المقطع الأخير، نوع من تضييق الايقاع في بؤرة شعرك الحارة... في ليل شعرك... على ضفاف شعرك الزغبية..) وكما في قصيدة النظم، تنتهي قصيدة النثر باستدعاء للعلاقة " " chevelure - souvenirs، شعر / ذكريات" (اندماج الطموس بالمجرد: "آكل الذكريات" ترد على التعبير الجميل للبداية: "كي أهز ذكريات في الهواء")، ولا أتردد -لدى المقطع الأخير من القصيدة المنظومة الضعيفة والمفتعلة - في تفضيل هذه الجملة الأكثر ألفة وحميمية في آن: "عندما أعضعض شعرك الطيع والمتمرد، يبدو لي أنني آكل ذكريات.
الجدير بالذكر فضلا عن ذلك أن البوح الحميم والشخصي التي تتبناها قصيدة النثر (لاحظ وفرة الصياغات الشخصية ألمح، أجد ثانية، الخ..) والتي تجعل منها شيئا مختلفا تماما في النهاية عن قصيدة النظم التي تحتفي بالغنائية الصوتية والاستدعاءات البراقة وذلك رغم أن الموضوعين مركبان. فالمنظم الشعري يميل الى الألفاظ الصاخبة، الفخيمة أو العتيقة: "غابة معطرة" في الذهب وفي "تموج النسيج"، "عنق، كسل، نشوة " والمفردات في النثر أكثر بساطة (سفر في مقابل اندفاع بحار كبيرة في مقابل بحر أبنوس، روائح في مقابل عطور) فالكلمات الملموسة والتصويرية سائدة: "ريح موسمية جلد إنساني، آنية الزهور وقلل منعشة..." وتميز هذه المفردات الأكثر بساطة وتحديدا قصائد "سأم باريس" بالمقارنة مع قصائد "أزهار الشر" وبشكل أعم، فن النثر (ولا أقول النثر الشعري!) بالمقارنة مع الشعر المنظوم. وعلى أية حال، فلا يخلو شعر "بودلير" المنظوم –دائما- من أوتاد معينة، وبعض الحشو وبعض التواءات الأفكار التي تقود اليها متطلبات الوزن والقافية: فجملة "عالم بكامله" بعيد غائب، ميت خطابيه الى حد ما والترنح لا "يلاطف" على وجه الاطلاق، فهو بالأحرى "يهدهد" (كما يقول النثر) ولن أعود الى اليد التي تبذر "الياقوت واللؤلؤ والياقوت الأزرق"، في المقطع الشعري الأخير.. ولنرصد أخيرا أن "ضفاف" أكثر إيحاء بكثير من "أطراف" (على الأطراف الزغبية لخصلاتكم الملتوية) الضرورية بسبب طول بيت الشعر.
لدينا هنا إذن شهادة مفيدة عن جهد "بودلير" المزدوج للهروب من ناحية من عبوديات ليست خاصة بالوزن فحسب لكن أيضا بـ "النغمة الشعرية" وللعبور من المناجاة الخطابية، الى حد ما (أيها الشعر.. ايتها الخصلات !) الى البوح همسا (فدعيني أتنفس طويلا..إذا ما استطعت ان تعرفي..(232)) ولكي يضفي من ناحية أخرى بفضل قوة الرمز والبنية المحكمة للمقطوعة شكل القصيدة العضوي قبل كل شيء على هذا الايحاء البالغ الجمال.
وفي حالة "دعوة الى السفر"، تستعيد قصيدة النثر عن 1857 موضوعا سبقت معالجته نظما عام 1855 (يبدو أن الملهمة هي "ماري دوبران") (233)، بروح شديدة الاختلاف: فالفكرة الواردة ببساطة في دعوة الأولى عن التشابه بين المرأة والوطن (في الوطن الذي يشبهك)، تصبح الفكرة المنظمة الخلية الأم لقصيدة النثر: منذ بداية ظهور هذه اللازمة المستعادة بلا كلل: "حيث كل شيء يشبهك.. قطر يشبهك.. هذه اللوحة التي تشبهك" وصولا الى المقطوعات الشعرية الأخيرة، التي تطور الفكرة طويلا، والأثيرة لدى "بودلير"، عن التطابقات بين الانسان والكون، فإننا نرى الموضوع يتسع، ونمر من التشابه الى الهوية المكتملة. وفي ختام هذا التصاعد يوحد "بودلير" أولا من خلال رمز مزدوج وشعري المرأة بالوردة: (وردة بلا نظير توليب مستعادة، داليا مجازية هنا يجب الذهاب للعيش والازدهار)، ثم يوحد فيما يعكس الكلمات الوطن بالمرأة هذا الوطن الرائع هذا الأثاث الفاخر، "إنه أنت" كما قال لها، "هذه الأنهار هذه القنوات إنها أيضا أنت". طريقة بلاغية ؟ طبعا هناك ما هو أكثر في فكرة التطابق هذه بين أصغر وأكبر ما في الكون، التي تنطلق من المبدأ الأعلى للوحدة الكونية، التي ستخصب فيما بعد النظرية الرمزية كلها ولا تبدو لي البلاغة الا في مجاز الخاتمة، حيث تصبح الزوارق أفكار الشاعر التي تمضي نحو "البحر الذي هو اللانهائي"، ثم تدخل "الى ميناء الميلاد" أي "تعود مرة أخرى من اللانهائي نحوك". هذه المرة نشعر بالجهد في هذا النسق الاستعاري الذي يحل محل اللوحة المضيئة والهادئة المستدعاة في ختام القصيدة المنظومة.
واذا ما كانت القصيدة المنظومة أرفع شأنا فلا يرجع ذلك فحسب كما أعتقد الى ايقاعها الذي لا يمكن تقليده، والناتج عن ترابطات الأبيات الفردية، وهذه الأرجحة التي وصف "ج. دي رينولد" سحرها (236) حاول "دوبارك" إعادة انتاج أرابيسكها موسيقيا بل لأنها أيضا تحقق انسجاما نادرا في الايحاءات والتصورات المنتظمة لخلق عالم من الجمال الشهواني والهاديء عالم لا تتعكر فيها الروعة المثالية بأي استدعاء بالغ التحديد. أما الموضوع المختلف الى حد ما الذي قدمه "بودلير" نثرا فكان بمقدوره أيضا أن يبني عالما منسجما من التوافقات الرمزية فأي شيء أكثر شعرية للوهلة الأولى من فكرة إثراء لوحة محددة بالاصداء والتوافقات الروحية ؟ وهذه الاستدعاءات التي لا تنتهي للفكرة الرئيسية التي يتزايد تأكيدها دائما ألم تكن ملائمة لابداع كل إيمائي؟ والواقع أن أسباب فشل "بودليرد" (النسبي) تعود كلها الى سبب واحد: التطور فكل ما كان موحيا به ببساطة أو في ابتدائه في القصيدة المنظومة، يوجد مستعادا ممتلئا بالتفاصيل وواضحا في النثر فوطن الحلم المشار اليه في غموض نجده محدد الموقع جغرافيا بالاشارة الى "الفلورين"، وأزهار التوليب، والكلمات المجردة اللازمة الشهيرة:
هناك كل شيء ليس سوى نظام وجمال
رفاهية وسكينة ونشوة
تتلقى تعليقا غير متوقع – الى حد ما – من خلال وصف "بلاد النعيم"
حيث تستمتع الرفاهية بأن تتحلى نفسها في النظام، حيث الحياة دسمة وعذبة في استنشاقها ومنها تستبعد الفوضى والصخب والمفاجيء، وحيث تقترن السعادة بالهدوء حيث المطبخ نفسه شعري، ودسم ومثير في آن. وبعد! كان ذلك هو كل حلم الجمال الشهواني لبودلير. حياة مريحة، وهادئه مطبخ دسم ومثير (237). وبدلا من إدانة المادية الرجولية أفضل أن أعتقد أن هذا الوصف لبلد "حيث كل شيء يشبهك، يا ملاكي العزيز" -كما يضيف الشاعر- لا يخلو من تهكم لاذع من الملهمة. ولا يقل عن ذلك حقيقة أن هذه السخرية غير المتوقعة وبالمثل المبالغة الى أبعد حد في التفاصيل (في وصف المنازل إذ ربما حصل "بودلير" على بعض الذكريات من "بو" (238))، والميل الى الاستطراد (بخصوص الحلم) أو الاستدلالات المجردة التي تسهب في التحليل، في حين أن الروح الغنائية تقوم بقفزات واسعة نحو التركيب (239) كل هذا يطيل القصيدة ويقحم فيها -على نحو ما- عناصر غريبة مستمدة من النثر، وتعوق "البلورة الشعرية. ولا شك أنه سيكون شاقا وظالما أن نطبق على "بودلير" نتاج "بو": "إنها المبالغة في التعبير عن "المعنى" الذي لا يجب إلا أن يكون موحى به، إنها طريقة التنفيذ والتيار التحتي للكتاب، والتيار المرئي والأعلى، الذي يحول الشعر المزعوم للاستعلائيين المزعومين الى نثر والى أكثر أنواع النثر تسطيحا". (240). لكن، اذا ما كان نثرا "دعوة الى السفر" ليس من أكثر أنواع النثر تسطيحا، فإنه يبدو لنا بالأحرى أشبه بحلم يقظة أكثر من كونه عملا جميلا، شرا جميلا للغاية أكثر من كونه قصيدة (241). إن تكرار التعبيرات والأفكار التي بحث عنها "بودلير" عن عمد يظل غير كاف لمنح الوحدة والتماسك لهذه القصيدة الطويلة جدا، وهي على أية حال ملاحظة لا يمكن تعميمها الا على "سأم باريس" حيث أفضل القصائد (صلاة اعتراف الفنان، لكل خرافته، نصف كرة في خصلة شعر، محاسن القمر، الخ..) هي أيضا أقصرها. هذه القاعدة المتعلقة بالقصيدة القصيرة - التي سبق أن عرضها "بو" والتي تمثل أحد القوانين الأساسية لقصيدة النثر - أثبتت صحتها إخفاقات ونجاحات "بودلير" وربما لن يكون من المبالغة على أية حال الاعتقاد بأن تنظيمه الشعري كان يتطلب - في النثر كما في النظم - أطرا مختصرة وصارمة الى حد ما (في السوناتا، كتب الى صديق: "لأن الشكل إجباري، تنبعث الفكرة بشكل أقوى)(242). وبالنسبة له كانت حرية النثر خطرا دائما.
خطر أكثر رعبا، وهو أمر واضح لكل زي عينين في القصائد "الباريسية" ذات الشكل المفتوح والرابسودي عمدا، وأكثر خطورة أيضا بقدر ما لم يعد "دبودلير" -الذي يشيخ والمستهلك والمريض - قادرا على المحافظة في قصائده على نفس الصرامة الفنية. وفي الختام علينا في لحظة الحساب النهائي لـ "بودلير" أن نراعي جميع هذه العناصر.

3- حساب بودلير الختامي

جدة واهمية المحاولة

الاخفاقات واسبابها ميراث بودلير

"سأجيء لكم بشيء ما في الغد"، ذلك ما كتبه "بودلير" الى "هوساى" في أواخر عام 1861، فيما يتعلق بسلسلته الأولى من قصائد النثر، (243) "التي اوليها اهميه مبالغا فيها ربما بسبب ما عانيته في سبيل إتقانها. أخيرا لكنني أعتز بوجود شيء جديد هنا كإحساس أو كتعبير". وعلينا في الواقع أن نضيف الى رصيد "بودلير" جدة وأهمية محاولته في هذين المجالين، الاحساس والتعبير (244).
ولا يمكن أن ننكر أولا أن "بودلير" هو المبدع الحقيقي لشعر حديث ومديني، غني بالأحاسيس الجديدة، المتفردة حيث نراه يوحد "الرعب بالهزلي" بل حتى الرقة بالحقد(245). والنثر الذي يقترن - على نحو أكثر رقة - بكل دوامات الكائن الداخلي لهو أكثر قابلية، من الشعر المنظوم، لأن يعيد الينا كل التعقيدات لا الخاصة فحسب بالعاطفة، لكن أيضا تلك الخاصة بالوعي الحديث: الاندفاعات والضغائن، الطموحات الى اللانهائي والشكوكية المحررة من الوهم، فبودلير يدخل الشعر كما قلت عن طريق قصيدة النثر "نبرات" تهكمية جديدة، وسخرية، وقسوة واذا ما فشل على الأغلب في محاولاته في شعر "تسكعي"، فإنه يبدو قديرا بالمقابل -عندما يعثر على موضوعاته الغنائية الأساسية، وعلى معالجتها نثرا بنبرات مختلفة، وأحيانا تستعصي على النسيان.
فهل يجب أن نؤكد من ناحية أخرى على الدور الذي لعبه "بودلير" في تجديد التعبير الشعري ؟ فاعتبارا من عام 1892، بعد ما نشر في "لابريس" أكد "بانفيل" على "البرهان الهام" الكامن في اختيار النثر كشكل شعري:
أيها المجانين أصحاب الأطوار الغريبة الذين يتخيلون أنه مع توازن معين في المقاطع اللفظية، وفي أرجاء المعنى، وفي التكرار المنتظم لبعض الأصوات، قد منحوا الامتياز الخارق لولادة كائنات !
هكذا كتب دون افتقار الى تفخيم الكلام (246). و"جوتييه" الذي أقر عام 1868 بأن "لغتنا الشعرية ليست مهيأة على الاطلاق للتفاصيل النادرة والدقيقة وخاصة عندما يتعلق الأمر بموضوعات الحياة العصرية المألوفة أو المرفهة سيرى أن "قصائد النثر القصيرة تأتي في الوقت المناسب لتتلافى هذا العجز"(247)0وازاء قصائد "برتران" الصارمة كان "بودلير" يطرح مبدأ (ويقدم النموذج) لشكل سلس، متنوع بلا نهاية وقابل للمؤثرات الأكثر تنوعا، وأقل تصويرية من كونه موسيقيا: وستظهر أهمية محاولته بشكل أفضل، عندما تستلهم المحاولات المبذولة في زمن الرمزية من أجل تجديد الشكل الشعري، والعثور على خلف للشعر الكلاسيكي القديم، البالغ الصرامة "سأم باريس" وتعلن أنها تنتسب اليه وستستدعي المقدمة / الخطاب المرسل الى "أرسين هوساي" لتصبح -بشكل خاص - بيانا حقيقيا.
ولا شك أن قصائد "سأم باريس" ذات قيمة غير متساوية تماما، لم يجهل "بودلير" نفسه ذلك، فقد كتب في 5 مارس 1866 "ترويا" (قبل بضمة أيام فحسب من حادث "نامور" الذي وضع نهاية أخيرة لنشاطه الأدبي): "آه ! السأم" أي غيظ وأي عمل شاق سببه لي ! ما أزال مستاء من بعض أجزائه، وعلينا أن نميز بين القصائد التي ظهرت في لابر يس عام 1862 والتي ما تزال تنتمي الى مرحلة النضج والمقدرة الأدبية، والقصائد الأخيرة التي تشير الى طريق الانهيار والعجز عن الكتابة. وفي الأوقات الأخيرة لن يقوم "بودلير" الا بتعديل القصائد القديمة (غسق المساء والمشروعات على سبيل المثال). أو استرجاع كتاباته السابقة في مذكراته (وهي حالة "عملة مزيفة" و"ضياع أوريول" و"الرامي الأنيق"، مثلا) وستسمح له أفكار قصائد بتضخيم الكومة الأولية. "لست إلا في القصيدة الستين، ولم أعد أستطيع الاستمرار (248)، ذلك ما يكتبه عام 1865 الى "سانت - بوف" إن عجزه الذهني المتقطع، الذي حدثتك عنه كثيرا، مثلما حادثني عنه، قد أصبح مستمرا أو شبه مستمر" ذلك ما سيقوله "بوليه - مالازيس" الى "اسيلينو" عام 1866 _249). فكيف لا تحمل قصائد هذه الفترة الأخيرة علامة هذا العجز الابداعي والجهود التي تكبدها؟
ومن المفيد أكثر أن نتبين الاخفاقات (أو شبه الاخفاقات) الناجمة في - "سأم" - عن مفهوم "بودلير" نفسه: هذه الاخفاقات نفسها مفيدة لمؤرخ قصيدة النثر. وقد تحققنا مما سبق من أنها تنجم عامة عن بنية ضعيفة الاحكام، "رابسودية" على نحو زائد، تخضع لمصادفات الحدث بدلا من تنظيم المادة طبقا لقوانين فنية وتشوه بالاستطرادات نقاء الأرابيسك الشعري، إن سوء استخدام الاطالة وانقطاعات النغمة المعتادة أو دخول النثرية في الشكل، كل هذا يرد القصيدة الى النثر، ويرتخي التوتر العضوي الذي كان يضم جميع هذه العناصر معا، لم تعد القصيدة تتبلور: لم يعد للمعجزة الشعرية من وجود، وسنتساءل إن كان من الممكن استخلاص عناصر فنية قابلة للاستمرار انطلاقا من مشهد الشارع، وأكثر مظاهر الوجود يومية: لكن "بودلير" أجاب على هذا السؤال بنفسه في بعض "لوحات باريسية" من ديوانه "أزهار الشر"، التي تعتبر من روائعه الأدبية. وما أساء اليه عندما كتب نثرا - أنه استفاد تماما من شكل شديد الحرية، ومنفتح للغاية كي يتلقى منه كل النغمات وكل الأنواع، بما فيها تلك التي تصل الى حد الريبورتاج الصرف والبسيط، أو التأمل الأخلاقي هنا أيضا علينا الا ننسى الالزام الرهيب للشاعر، الذي وعد بتسليم مؤلفه وبالكتابة والعثور على موضوعات أيا ما كان الثمن. وقتئذ وضع "بودلير" "بطاقة قصائد نثر" على قصائد هي في الحقيقة أقاصيص (الحبل، بورتريهات لعاشقات، موت بطولي الخ..) وثمة برهان حقيقي على قانون المجانية هذا الذي يقضي بالا تتوجه قصيدة النثر إلا الى ذاتها وأن تصب في النثرية ما إن تبدأ في الحكي أو الايضاح.
وسنجد لدى ورثة "بودلير" ("فيرلين" و "هويسمان"، وعديد من شعراء الرمزية) الاستلهام المزدوج من "سأم باريس": الاستلهام الغنائي، والميل الى أحلام اليقظة السوداوية، والاستلهام المديني، والميل الى الحكاية ولوحة التقاليد تعرية روح في مدينة كبيرة، وتعرية روح مدينة كبيرة.لكن الميل الواقعي والحكائي سيتزايد الشعور به أكثر فأكثر، الى أن يحول القصيدة الى واقع متنوع حقيقي. ذلك هو الاتجاه الطبيعي لقصيدة النثر التي إن لم تقبل التضحية لتجنب الاخفاق بلا كلل فإنها سترتطم بالأرض.
ونعلم أن "بودلير" قد ترك في أوراقه قائمة طويلة للغاية لقصائد يجب إعادتها(250). وفيها يقسم مشروعات قصائده الى ثلاث فئات: "أشياء باريسية" و" تمييز الأحلام"، و" رموز وأخلاقيات " والفئة الثانية (قصائد حلمية) غير ممثلة في "سأم باريس" المتوافر بأيدينا وهو بلا شك أمر مؤسف فأين يمكن العثور على مجانية وضرورة داخلية وبلا إحالة الى العالم الخارجي، بأكثر مما في الحلم (أو في الرؤيا وفي الاشراقة اللتين تتقاربان معا؟) والحقيقة أن الحلم أو بشكل اكثر عمومية التشويه المنظم للواقع يصبح بعد راهب أكثر فأكثر حتى السيريالية، أحد الانساق الشعرية الأكثر ترددا في قصيدة النثر. ونجد فيما سبق لدى "برتران"، تحت عنوان "حلم" نصا عن حلم حقيقي الى جانب أحلامه في اليقظة.
ولا نستطيع أن نعرف أي مظهر كان سيتخذه "نص الحلم" عند "بودلير" لكن من العجيب أن نلاحظ أن العنوان الأول في قائمته "أعراض الخراب قد توافر فيما يبدو على بداية انجاز تكمن في مقطع أعاد "نادار" نشره في نفس فترة مشروعات قصائد النثر(251). فهل يجب ان نرى فيها مثلما يريد "كريبيه" و" بلان " ذكرى لـ "توماس الاكويني" ؟(252) لكن نص "بودلير" أكثر نثرا للغاية، وأكثر غموضا بشكل خاص: إنه حقا حلم "هيروغليفي"، حسب تعبير "بودلير" نفسه، حلم "يمثل الجانب فوق الطبيعي للحياة" (253).
اعراض الخراب. أبنية هائلة، الواحد فوق الآخر شقق غرف، معابد، أروقة سلالم مصارين عوراء، مقصورات، فوانيس ينابيع، وتماثيل، شقوق، تصدعات. رطوبة صادرة من خزان ماء يقع بالقرب من السماء فكيف نحذر الناس والأمم ؟ لنحذر همسا أكثرهم ذكاء.
في الأعالي يقرقع عمود وطرفاه يبدلان من موضعهما. ما من شيء قد انهار بعد. لا أستطيع العثور على المخرج. أهبط ثم أصد ثانية.. برج متاهة لم أستطع أبدا الخروج أسكن دائما في مبنى سينهار، مبنى صنعه مرض خفي. أخمن داخلي لأسلي نفسي. بما إذا كانت الكتل الهائلة من الحجارة من الرخام من التماثيل من الجدران التي ستتصادم بشكل تبادلي سيصيبها تلوث شديد من هذا الحشد من الأدمغة، من اللحم البشري والعظام الميتة المفتتة.
وينتهي المقطع بهذه الكلمات، منوع من ما بعد الكتابة: "أرى أشياء رهيبة في الحلم، الى حد أنني أحيانا لا أريد أن أنام بعد ذلك أبدا، إذا ما تأكدت أنني لن يصيبني التعب البالغ". هي - في الواقع- رؤيا أصيلة للحلم: "من هنا تكمن أهمية العنصر البصري، والأشياء الغريبة، والأفكار المستحوذة ". وما يمكن أن نسميه بمنطق المبعثر (الذي كال له بودلير المديح في حلم أسيلينو) (254). وقد سبق لنرفال أن سلك هذا الطريق المظلم، سعيا الى أن يجعل من الحلم وسيلة للكشف، ووصل في ضوء عتمة جنونه الى حد أن شهد "تفتح الحلم في الحياة الحقيقية (255). ومن المدهش أن نرى "بودلير" وهو يعتبر الحلم - بدوره - لغة هيروغليفية"(256).
لكن نص "بودلير" الذي لا يمثل سوى تخطيط بالتأكيد جمل إضمارية، إشارات مبتورة، يذهلني على نحو خاص بإيقاعه البالغ الخصوصية ومظهره العنيف، اللاهث الى حد ما، والأقرب الى أسلوب المذكرات الشخصية منه الى قصائد النثر وأيضا بطابعه الرؤيوي، هذا المعمار الخيالي وهذه السقالات.. كل ذلك وأيضا زعزعة الأبنية وهذه الشقوق، وهذه التصدعات، وهذا الانهيار الوشيك سيتخذ حياة وجسدا ويمتلك وجودا أدبيا خاصا: والاسم الذي نقرأه فيما بين السطور، عبر صفحة "بودلير" هذه التي لا تكاد تشبه أعمال "بودلير". هو اسم "أرتور رامبو".
ولا شك أنه ليس ثمة ما هو مشترك بين قصيدة النثر لدى "بودلير" وقصيدة النثر لدى "رامبو"، لكن رغم كل شيء فثمة رابطة روحية بينهما، تجس منهما كما سبقأن قلت، "منارتين" للشعر الجديد، وتفسر لماذا يرى "رامبو" في "بودلير" (الذي سيتدرب كي يصبح رائيا) "أول الرائيين، ملك الشعراء، وربا حقيقيا. وهذه العملية السحرية حيث يصبح الشعر وسيلة للقبض على جانب من الواقع الخفي والأساسي، الذي يهرب من العقل الاستدلال لاشك في أن "بودلير" قد حقق نجاحا فيها من خلال قصائد النظم بأكثر مما في "سأم باريس"، وعلى النقيض، فلن يحقق "رامبو" ذلك حقا إلا في قصائد "إشراقات" النثرية.

- هوامش الفصل الاول

1- الفن الفلسفي، المؤلفات الكاملة لبودلير L'Art Philosophique,
OEuvre complétes de Baudelaire, éd. de la Pléiade,t 2 p. 487
وستحيل الاستشهادات التالية الى هذه الطبعة إلا إذا أشرنا الى غير ذلك.
2- مدخل الى قصائد صغيرة Introduction aux Petits
Poémesen Prose, Belles-lettres, 1934, pxxxlx
وأحتفظ -من جانبي - بهذا العنوان - «سأم باريس» (الشديد الايحاء) ألذي يبدو لي أن "بودلير" قد فضله، اعتبارا من عام 1864 (انظر: Lettre à sa mére, passim على "قصائد نثر صغيرة Poémes en Prose Petits " وهو العنوان الذي ظهرت معه عشرون قصيدة في "لابريس La Press"، عام 1862.
3 - «صلاة اعتراف الفنان OEuvres,t.1,p.407 Le Confiteor de leArtiste
ولابد من دراسة متعمقة لهذه القصيدة التي تبين الشاعر- بعد نشوة التحقق الذاتي -وقد عاوده الشعور بـ "الازدواجية dualité بل حتى بالمبارزة duel بينه وبين موضوعه: "إن دراسة الجميل هي مبارزة يصرخ فيها الشاعر رعبا قبل أن ينهزم"، حسبما يستخلص "بودلير".
4- العامة les Foules, eod loc., p.124 وقارن في "ازهار الشر" - بـ"العجائز القصيرات les petiites Vieilles ( (نفس الحقبة):
قلبي المتمدد يستمتع بكل رذائلكم !
وروحي تتألق بكل فضائلكم!
5- هكذا يتحدث "بودلير" في مقاله عن "هوجو" p.527) (OEuvres, t.2,
6- المؤلفات (OEuvres, t.1, p.433.
7- Revue de Paris , 51 Avril 1291: Charle Baudelaire. Apropos du Centenaire, p. 727
لا بد من الرجوع الى المقالة كلها فيما يتعلق بشعر "بودلير الباريسي".
8- قارن بقصيدة "صولجان باخوس Spleen de paris, OEuvres,) Le Thyrse t.1,p.467 حيث لاحظ "جـ. بلان" في مقالته الهامة عن قصائد النثر -أن رمز «صولجان باخوس» يمكن تطبيقه -بشكل خاص - هنا Introduction aux Pelits Poérnes enprose de Baudelaire, Fontaine, Février 1941p294.
أعيد نشر هذه المقالة بلا تغييرات - تقريبا في كتابه Baude- laire, Gallimard, 1939.
9- بودلير، خطاب الى والدته، 9مارس 1865. ولا اعتقد ان «بودلير» قد اساء الحكم الى هذا الحد على القيمة العميقة لمحاولته مثلما يقول،"انييل روبس Daniel Rops Introduction aux Petits Poémes en Prose, Belles - Lettres, 1934, p.xv
واذا ما كان يقدم قصائده النثرية - الى "هوسايى". "بإعتبارها شيئا مسليا (خطاب الى هوسايى، رأس السنة 1861). فلأن ذلك كان ضروريا لنشرها في "لابر يس، التي كان يديرها «هوسايى » وقتئذ.
10- "إهداء" سأم باريس الى أرسين هوسايى المنشور في «لابر يس»، في 26 أغسطس 1862 OEuvres,t.1 p.405 ويعلق «بودلير» على الصفة "شهير" التي أطلقت على "جاسبار الليلي" (الذي كان مجهولا تماما بين الجمهور العريض): "كتاب تعرفونه، واعرفه ويعرفه بعض اصدقائنا، الا يملك كل الحق في أن سنسميه شهيرا؟.
ونستطيع أن نلاحظ - بالنسبة لهذا الموضوع - ان La Revue Fantaisiste التي أدارها الشباب «كاتول منديس») والتي نشرت - في الأول من نوفمبر 1861 تسع قصائد نثر لبودلير، نشرت - في عددها السابق (15 أكتوبر) دراسة «ف.كالمالس» عن "برتران": ولا شك ان "بودلير" لم يكن غريبا عن هذا الاهتمام بمؤلف "جاسبار"
11-L'heroîsme de, la vie moderne (salonde 1846) (OEuvres, t.2 p. 135)
12- Le peintre de la vie moderne (OEuvres, t.2 p. 332-333)
13-ld., p. 332 et 336.
14- خطاب الى هوسايى"، رأس سنة 1861. ومنجد كل الخطابات الخاصة بقصائد النشر موجودة في الطبعة الفاتنة، والمحققة والهامة للغاية التي قام بها «جـ.كريبيه (في (OEuvres completes de Baudelaire. t.3, Conard, 1926 وهذا العنوان «الطواف المنعزل » يتضمن بطبيعة الحال تذكيرا بـ «أحلام يقظة الطواف المنعزل » لروسو، وربما ايضا بكتاب حديث لـ«لوفيفر - دومييه » - "كتاب الطواف 1845. لكن هذين الكتابين - من النثر الشعري -يتسكعان عبر الريف، بينما "بودلير" - مثل "رجل الشارع "لادجار آلان بو - لا يغادر عتبات المدينة الكبرى.
15- OEuvres, t.1, p, 420.
وقد حكم "سانت بوف "على هذا التعبير الأخير بعدم الصواب.
16-. Id., p. 421
17- Sainte - Beuve, "A Antony Deschamps" Consolations, xvl11 (Poésies Charpentier, 1869, p. 242).
18- خطاب الى "سانت - بوف".
19- Ferran, L'esthétique de Baudelaire, p. 96.
20- Les Rayons Jaunes, Joseph Delorme (Poésies complétes, p.71).
21- Les Consolations (1830), Dédicace à V. Hugo (OEuvres complétes, p. 202)
22- Note 'a Monsieteur Jean, p. 302.
23- Vie de Joseph Delotme, Poésies Complétes, P.11
24- joseph Delorme (poésies complétes, p. 93
25- المرجع السابق، ص 85 والاشارة الى "شرقيات Orientales " و«اناشيد وقصائد غنائية Odes et Ballades بديهية هنا.
26- فيما يتسكع «جوزيف ديلورم» على طول شارعه الكبير، يخترقه "شعور لا يمكن تحديده بوجوده الناقص (Poésies complétes, p.11
27- Les Veuves (OEuvres, t. 1, p. 442).
28- ld., p. 443
29- Le Tir et le Cimetiére, id, p.482.
30- Le Vieux Saltirnbarque, id., p. 425
31- بقارن بالجزء الثاني من "الغرفة المزدوجة La Chambre Double هذا الكوخ القذر، ذو الأثاث المزعج، المترب، المهشم، حيث نتنفس "رائحة تبغ عفن تختلط بما لا أعرف من عفونة مقززة إنها غرفة الشاعر (OEuvres,t. 1,410..
32- Eussées (OEuvtes, t.2, p.634).
33- Joseph Delorme, Pensées xx (Poéies complétes, p, 157)
34- Les Petites Vieilles (Oeuvres,t.2, p.102).
35- قارن بـ«العجائز السبعة »: الألغاز تناسب كل مكان مثل النسغ.." t.1.p100.
ويقارن جـ ستريت G. streit (Die Doppelmotive in Daudelaires Fleurs du Mal und Petits Poemes en Prose, 1929. p. 107.
مع الموقف الشديد الاختلاف للشاعر، في النثر: "أتشبث بالرغبة في فهم هذا الغموض" (Chacun sa Chimré, t.1. p. 412) وفي الشعر:هل سيكون لي، دون ان أموت أن أتأمل الثامن ؟ (Les sept.vieillards, id., p. 201)
36- والعنوان نفسه «حلم باريس» - الذي يصف عالما مجردا، معدنيا لذو دلالة وفي مواجهة هذا الابداع المصطنع، فإن "حلم الغرفة المزدوجة - في قصائد النثر- ليس إلا وصفا لواقع أضفيت عليه المثالية.
37- قارن في "البجعة":
... قصر جديد، وسقالات، ومجمعات سكنية، وضواح قديمة، كل شيء يصبح - بالنسبة لي - مجازا. (t. 1, p99)
38- Aune Passante, p. 106.
39- Les Aveugles, p. 105.
40- Les Petites Vieilles, P. 102.
41- مشروع «خاتمة » للطباعة الثانية (يرجع تاريخه الى 1860، تقريبا (OEuvtes, t. 1, p.229). تقارب شديد الغرابة، فسانت-بوف يكتئب في "عزاءات" لعثوره - في روحه - "على كل هذا الصلصال وهذا الذهب القليل (Poésies completes, p. 242)
42- قارن بـ«الغريب» و«الغرفة المزدوجة» و"فلتسكروا"، و"الحساء والسحب" الخ.. وقد بحث «دانييل - رويس» عملية هذا الـ «هروب في الحلم غير الواقعي»، مرجع سابق، Introduction. p.xxvl1
43- مارس 1865 (Poémes en prose, éd Crépet. P. 240).
44- "ملاحظات جديدة عن إدجاربو" Préface des Nouvelles Histoires extraordinaire).
45- ومن المستحيل - عند قراءتهم- الا نفكر في تأثير مباشر او غير مباشر، لبعض أقاصيص بو، سواء في النغمة أو في الفكرة: على سبيل المثال، شيطان الضلال "في صانع الزجاج الرديء"، أو "هوب - فروج" في "موت بطولي ".
46- الى "تروبا" في 19 فبراير 1866: أنا سعيد الى حدما بـ سأم" وعلى العموم، فهي «أزهار الشر» مرة أخرى، وان يكن بكثير من الحرية والتفاصيل والتهكم". ونعلم أن حادث» فامور «قد أنهى - بعد ذلك بشهر واحد - من "سأم باريس ".
47- إهداء "قصائد النثر الى" هوسايى (OEuvres, t1. P. 405).
48- إهداء الى "هوسايى": "من مخالطة المدن الكبرى بشكل خاص، وتقاطع علاقاتهم التي لا تحصى، يولد هذا المثال الطاغي".
49- خطاب الى «هوسايى»، ديسمبر 1861 ( éd. Crépet, p. 224)
50- في إهدائه، يشبه «بودلير» ديوانه بثعبان تمتلك كل شريحة tronçon منه حياة مستقلة.
51- نعرف كلمة «مذكرات خاصة (t.2,p.647 Journaux intinies) عن الابتهالين المتوازيين، واحد منهما الى آت، والآخر الى الشيطان». والموجودين لدى كل إنسان (قارن بشخصية "بنديكتا" المزدوجة في «أي منهما الحقيقي») وقد ظهر الاحساس بالازدواجية مع الرومانسية وعبر «هوجو» - في مقدمة كرومويل - عن هذا الشعور بالازدواجية في ألفاظ مشابهة، ترتبط بالفكرة المسيحية عن الانسان المزدوج.I.horno duplex.
52- قارن ما سبق، ص 73.
53- Notice de sur Maurice de Guérin (OEuvres do M.
de Guérin, publiées par Trébutien, Didier, P, x 1 x.
هذا الشعر يتوافق مع كل انعطافات الحديث الحميم، كما يقول.
54- . Penéss de Joseph Delorme, xv111 (Poéies complétes de Sainte - Beuve, P.155)
55- Cassagne, Versification et Métrique de Baudelair, Paris, 1906p. 49.
56- (OEuvres, t.1, p. 146).
انظر -أيضا- «أشعار مهشمة » التي ذكرها "رودس" The cult of Beauty in Charles Baudelaire, Colurnbia University New York 1929, p. 254 صوتان كانا يحدثانني." في "الصوت (OEuvres. t, 1, p. 176).
57- (OEuvres, t. 1, p. 193).
ويقول "جـ. دي رينولد "إن عدم اتساق هذا البيت "يشير جيدا الى التردد والتراجع أمام الحفرة التي لا قرار لها. (Charles Baudelaire,. Crés, 1920  p. 356, note 4).
58- سبق ذكره ص 109 والغريب ان استخدام شكل طنان وموزون لوصف الجريان الحر لحياة مألوفة يؤكد من انطباع النثرية.
59- خطاب الى «سانت -بوف »، 15 يناير 1866.
60- يستخدم "رامبو" هذه الصيغة نقلا عن «لامارتين »، اما «بودلير، «ملك الشعراء، فإنه يجد "الشكل الذي طالما امتدحه في نفسه مسكينا" (خطاب الى «ديميني» في 15 مايو 1871، (OEuvres, éd. de la Pleiaae. p. 256-257.. وفي هذه الفترة لم يغادر «رامبو» شارلفيل »، وحسب «ديلاهاي» فقد كان يعرف - رغم ذلك- قصائد «بودلير» النثرية (انظر - فيما بعد- ص 162، ملحوظة 62). لكننا لا نعثر - رغم هذا - على أية إشارة في مراسلاته الى حد أن تظل شكوكنا قائمة.
61- Blin, Introduction aux petits poémes en prose, Fontaine. Février 1946, p. 288.
62- Daniel - Rops, Introduction aux pétits pôems en prose, éd. Belles - Lettres, p. xx.
63- حول هذه المسألة، يلتقي «جوستاف كان Préface de ses
Premiers Poémes, Mercure de Frarnce , 1897, p. 2o. (Plon, 1948, p. Les portes d'ivoire, 198-199 و"أ". كوليون" على النقيض من رأي "دانييل - رويس": "القصيدة الحقيقية … هي التي يخلقها النظم، وليس نثر "بودلير".
64- Blin , article cite, Fontaine, fe'vr, 1946,, p. 284.
65- Mallarmé, le Mystére dans les Letters (OEuvresPléiade, p. 382.
66- "قلبي يتعرى" (OEuvres, t, 2, p. 668.)
67- Salon de 1859, IV(OEuvres, t2. P.232.
تذكر «بودلير» -قبل قليل- كلمة "ديلاكروا": «الطبيعة ليست سوى قاموس» (ص23).
68- Eod..1 oc. , p. 230.
69- نعلم تفضيل «بودلير» لـ "خط الارابيسك" (قارن "صولجان بارخوس، و«رسم الأرابيسك» هو الاكثر مثالية من الجميع " (OEuvres, t, 1, p. 467.) والكلمة - وقد استخدمت بصدد لوحة أو قصيدة، تشكلان كليات اكثر تعقيدا- ليست دقيقة على الاطلاق،لكنها تمتلك على الاقل ميزة استبعاد فكرة اي معنى عقلاني او فلسفي، كي لا نبصر سوى المنحنى، "الخط" المحظوظ -الى هذا الحد أو ذاك - في القصيدة أو اللوحة.
70- Salon de 1859 (OEuvres, t. 2, p. 231).
71- Eod. loc. p. 226
72- هاتان القصيدتان تحملان رقمي 22و23 طبعة 1869، بعد استعادتهما و وتعديلهما.
73- خطاب نشره «كريبيه » و«بلان » في Notes critiques من طبعتهما لـ "ازهار الشر"» Corti, 1942, p. 463
74- انه العنوان الذي اطلق -عام 1857- على قصائد النثر المنشورة في Le Présent.
75- القصيدة الخامسة "ساعة الحائط" توحد موضوعين متكررين في "أزهار الشر": "القط" و"هروب الزمن".
76- سبعة مقاطع من نفس الطول تقريبا مثلما لدى "برتران".
77- في مقارنتيهما بين المقطوعتين المنظومتين والنثر المستلهم منهما ("عطر غرائبي" وخصلة شعر) Les Fleurs du Mal, éd crtique Corti, 1942, p. 336 - 337 Blin, article cite., Fontaine, Fevrier 1946, p. 287.
78- في مقال Constitutionnel 20. 1. 1862.، حيث يتناول "الجواهر bijoux".
79- القصائد من 1 الى 20 المنشورة في La Presse عام 1862 تتضمن هذه القصائد الاربع عشرة غير المنشورة من قبل، وقصائد عام 1861 الثلاث، وثلاث أخريات بتاريخ 1857( ساعة الحائط، ونصف كرة في خصلة شعر، والدعوة الى السفر). والواقع ان "بودلير" قد سلم "هوسايي" أكثر من عشرين قصيدة، ولكن لاسباب غير معروفة جيدا- أوقف نسرها في La Presse (انظر ملاحظات "كريبيه" OEuvres de Baudelaire éd Conard, t. 3p. 229 - 231 فأية قصائد تضمنها الورق المقوى الذي ظل في المطبعة ؟ لا ندري.
80- انظر فيما سبق -الخطاب الموجه الى "سانت-بوف"، سبق ذكره، ص 106.
81- يستعيد «بودلير» التمييز الذي وضعته السيدة "كرو" بين الخيال البناء والوهم (Salon de 1859, IV, OEuvres, t. 2, p. 229
82- "Paradis Artificiels, IV, L'homme - Dieu "الكلمة الرابسودية هي التي تحدد جيدا مجرى افكار موحى به ومحكوم بالعالم الخارجي وصدفة الظروف … (OEuvres, t. 1, p. 303)
83- ذكره "بودلير" في Préface des Nouvelles extraodinaire
84- La Morale du Joujou (OEuvres, t. 2p, 139).
85- Le Joujou (OEuvres, t. 1).
86- في طبعته لـ Petits poémes en prose (OEuvres de Baudelaire, t. 3, Conard, 1929, p.300)
87- Le Confiteor de l'Artiste (OEuvres, 1, p.. 407)
88- Les Vieux Saltimbanque (OEuvres, 1, p. 426)
89- Joseph Delorme (Peésies complétes de Sainte Beuve, p. 61)
90- . Le Vieux Saitimbanque (OEuvres, 1,p.426)
يستمد "بودلير" هذا التعبير من "بو" ويورده في ملاحظات حول "بو" المستخدمة لكتاب Nouvelles Histoires
92- انظر ص 114 من هذا الكتاب.
93- Les Projets (OEuvres, t. 1, p. 445)
94- نشرت هذه القصيدة في Le Présent عام 1857، ثم في Revue Fantaisiste عام 1861 قبل إعادة نشرها (معدلة) عام 1864، في Revue parisienne وفي Revue de, Paris ،أكان "بودلير" الذي لم يعد باستطاعته تقديم أعمال لم يسبق نشرها - يوهم نفسه، بهذه التعديلات، بأنه ما يزال ينتج أعمالا إبداعية؟
95- نستطيع أن نلحق بها التغييرات - الصائبة تماما، على نحو مثير - الموجودة في "الحبل" و"لاعب كريم" (أعادت طبعة البلياد نشر النص الأول).
96- خطاب الى والدته 3 نوفمبر 1864، وقد كتب في 11 نوفمبر 1865: "القليل الذي أنجزته إنما هو نتاج عمل أليم".والواقع أنه لا يكاد ينتج شيئا تقريبا: "إنه عجزه الذهني المتقطع الذي سبق وحدثتكم عنه كثيرا، مثلما حادثني عنه، وقد أصبح مستمرا أو شبه مستمر، ذلك ما سيكتبه "بوليه - مالاسيس "عام 1866 (ذكره جـ. كريبيه" في طبعته من "بودلير" .(OEuvres, t. 3, p. 245
97- مثلما يفعل الفنانون لا يمتلكون خيالا (OEuvres, t. 2, p. 230.
98- في مقدمته لكتاب Nouvelles Histoires extraordinaires انظر ص 112 فيما سبق.
99- Fussées, OEuvres, t. 2, p. 627.
100- قارن بما سبق، ص 109.
101- نشر "لوفيفر - دومييه - الذي مول L'Artiste من عام 1845 الى عام 1847 - 13 قصيدة نثر مستقلة فيها من "صلوات دير الوادي المسائية" (انظر ص 91 فيما سبق)، ويرجع مؤلفه «كتاب الجوال» الى عام 1854. فهل عرف "بودلير" شخصيا وعندما سألت "جان كريبيه " عن ذلك أجابني - قبل وفاته بعام- بأنه لم يجد أي دليل على ذلك، مما يعني أنهما لم يعرفا بعضهما البعض ككتاب: كان "بودلير" محط الأنظار بفضل موهبته، و"لوفيفر" بفضل ثروته ورغبته في الظهور ورعايته للاداب، التي كان يكد من أجلها" وأيضا لماذا لا نوافق على أن موهبته كانت ذات قيمة ؟. ويلاحظ "كريبيه" أنه من المحتمل أن يكون الرجلان قد تقابلا في "لارتسيت ".
102- "ألم تحاولوا -أنتم أنفسكم، أيها الصديق العزيز- أن تترجموا صرخة صانع الزجاج الثاقبة الى "أغنية"، وأن تعبروا - في نثر غناثي عن كل الايحاءات المحزنة التي ترسلها هذه الصرخة حتى السقائف عبر أعلى ضباب في الشارع Dédicace des petits poémes en prose à Houssaye, OEuvres, t. 1, p. 406. 103- Crepel, Notes de l'edition Conard, p. 272.
104- ورغم هذا، يذكر "ر. فيفييه" شانفلوري" من بين الأسلاف المحتملين لبودلير (L'originalité de Baudoiaire, Bruxelles 1926, p. 158.
105- عن ختام "فانتازيا الشتا" marlinon, 1847)
قارن بما سبق، ص 90. ومن المفيد ايضا -ان نذكر، ما دمت قد تحدثت عن شعر بودلير التسكعي انه اذا كان لوفيفر - دومييه قد الف كتاب الجوال فان بعض الصفات او الاناشيد الغنائية النثرية لشانفلوري قد جمعت تحت عنوان "تخطيطات عابر سبيل Croquis d'un passant. وسنجدها في اعماله المنشورة بعد وفاته، تحت عنوان "Champfleury inédit (Clouzot, 1903 لقد تنزهوا كثيرا في النثر الشعري في حقبة "بودلير".
106- Chien - Caillou, Fantaisies, Martinon, 1947,p. 23.
107- انظر ص 87 فيماسبق.
108- كتب "بودلير" مقدمة لـ Les Martyrs Ridicules المنشور عام 1862، وهو كتاب - كما يقول - ذو حيوية حاقدة، حيث تمارس البصيرة بشهوة حسية (OEuvres, 109_ 2, p. 154.)
109- OEuvres, t. 2, p. 451
ونعلم ان «بودلير» قد فكر لفترة فى ان يسمي قصائده النثرية قصائد ذئبية poémes lycanthropes اشارة الى "بتروس موريار المريض بجنون الذئبية. جنون يجعل المريض يعتقد انه ذئب (م).
110- مقال عن "مدام بوفاري" OEuvres, t. 2, p. 633
111- مقال عن الحياة المزدوجة (OEuvres, 2, La Doube Vie. P. 454) ولنذكر -بهذه المناسبة- ان "بودلير" كان ينوي ان يخصص «احلام » جزءا كاملا من قصائده النثرية (قارن في مشروعات مجموعة (Oneirocritée., OEuvres,t. 1, p.650
112- انظر ديوان "الحياة الثانية" لـ "أسيلينو"، وبشكل خاص قصيدة "الاريكة"، حيث ينتهي الحال باحد الاشخاص الى الحياة خارج الواقع تماما.. وسنلاحظ - في "الفخذ" - «حداثية» نتائج "اسيلينو حول تناقضات الحلم، والتصديق الذي تتلقاه من النائم وهو ما يجعلنا نعتقد في "ملكات او افكار ذات نسق خاص وغريب عن عالمنا (La Double Vie, Poulet- Malassis, 1858, p, 172).
113- Fusées (OEuvres.t. 2, p. 633
ونستطيع القول - فيما يتعلق ببودلير - ان ما فوق الطبيعية محسوسه اكثر في "ازهار الشر" وان السخرية (المرتبطة بـ "طريقة تفكير شيطانية) محسوسة اكثر في "سأم باريس ".
114- "قلبي يتعرى" تحت عنوان "ملاحظات قيمة:Notes précieuses "فلتكن ابدا شاعرا، حتى في النثر" OEuvres, t. 2, p. 669.
115- Salon de 1859 (à propose de la MFantaisie") OEuvres, t. 2, p. 250
116- انظر في "ملاحظات جديدة عن بو" المستخدمة كمقدمة لـ Nouvelles Histores extraordinaires الملاحظات المترجمة من Poetic Principle.
117- انظر الصفحة السابقة، ملحوظة 114. ومنذ عام 1855، في بحثه "عن جوهر الضحك، يطور بودلير فكرة ان "الضحكة شيء شيطاني.(OEuvres,t. 2, p. 171)
118- هكذا في "الساعة الواحدة صباحا، ايهما هي الحقيقة ؟، "الحساء والسحب".
119- تحت هذا العنوان ظهرت - في الاول من يونيو 1866، في La Revue du X1X siécle قصيدتان: "العملة المزيفة" و" اللاعب الكريم ".
120- Charles Baudolaire, dans la Revue de Paris , 15 Avril 1921, p. 749
121- فيما يتعلق بجملة: "لاشك انه كان يظن روسيا جزيرة، يذكر "جـ. كريبيه" تهكمات "بودلير" على "فييمان"، الذي كان يتحدث عن دفن "شاتو بريان" في الخليج الكبير (انه يظن الجزيرة تركيا) ويستعيد - فيما يتعلق بقبضات اليد الممنوحة دون اخذ "الاحتياط بشراء القفازات - جملة من Fussées: " كثير من الأصدقاء، كثير من القفازات - خوفا من الحرب". ويمكننا ايضا ان نتذكر، فيما يتعلق بالفرفورة sauteuse التي تظن نفسها فينوس، تهكمات "بود لير" على "جـ. جانين" الذي يتحدث عن "لوكونت دوليل" OEuvreset. 2, p. 605 وفيما يتعلق بمدير المسرح الذي يقترح على الشاعر ان يتعاون مح "اغبى واشهر" مؤلفيه يقول "بودلير" في خطاب الى والدته: "يوحي لي المسرح بالاحتقار الشديد، الى حد انني فكرت - كي اختصر المهمة - ان اتوجه الى اشهر واغبي متعامل يمكن العثور عليه (3 نوفمبر. 186).
122- حول "امتحان الوعي" هذا، يذكر "م. روف" في كتابه الحديث L'Espr'it du mal et l'esthétique baudelairienne Colin, 1955, P. 363 "يبدو لي تماما - هنا ان التقزز من الانسانية ما هو الا عرض للادانة التي يحملها لنفسه".
123- انه يلوم "كلاديل" على بعض نوبات الحساسية: "ان أسمى الفن يكمن في ان نظل باردين ومنغلقين.. فتأثير الرعب يتم مضاعفته (بهذه الطريقة).OEuvres, t. 2, p. 571
124- مقال مذكور، Forntaine, Février 1946, p. 297.
125- قلبي يتعرى OEuvres,t. 2, p. 648
126- مقدمة Nouvelles Histoires extraordinaires. ويقول "بو" في "المبدأ الشعري Poetict Principle - ان القصيدة لا تستحق هذا الاسم الا بقدر ما تثيره في الروح، وهي ترقى بها الى السامي (ترجمة (La lou, Charlot, 1946, p. 31
127- فيما يتعلق بالوجه المتورم والتيبس الجسدي، نرصد -ايضا- تعبير "مسخ صغير" عند الحديث عن الصغير المشنوق OEuvres, t. 1. P. 460-61.
128- OEuvres, t. 1. P. 491-467.
129- استخدم التعبير - وهو مستمد من "بو" - في مقدمة N.H.E,.وتمت استعادته في مقال عن "ت. جوتييه OEuvres, t. 2, p.467
130- من المستحيل بالنسبة لي على اية حال - ان اقول لماذا كنت مأخوذا، تجاه هذا الرجل المسكين بحقد مفاجيء واستبدادي OEuvres, t. 1. P. 416.
131- Antholopie de l'humour noir , le sagittaire, 1940 p.74. و"بريتون - الذي يربط، عن حق تماما، دعابة "بودلير" بحذلقته - يذكر بعض المباديء الاخلاقية المستمدة من "سهام ناية فة Fussées، والتي يمكن تطبيقها بدقة على مفهوم بعض قصائد "سأم باريس": "الحكي عن الاشياء الكوميدية بطريقة طنانة، OEuvres, t. 2. P. 628. "ان عدم الانتظام اي غير المتوقع، والمفاجأة، والدهشة، هي اجزاء اساسية وخصائص للجمال id., p.631)). وجدير بالملاحظة ان "بودلير" - حسب الترتيب التاريخي - هو اول مؤلف لقصائد النثر يتم ذكره في هذه المقتطفات".
132- يسخر "بودلير" في قصيدة "العزلة" من هذه الكلمة المتداولة في "لغة القرن (قرنه) الجميلة OEuvres, t. 1. P. 444.
133- مقال "جـ. بوردان"، الفيجارو، 7 فبراير 1864. ونعلم ان "بوردان" هو الذي اثار بنقده العنيف الشهير في نفس الجريدة "الفيجارو - صواعق العدالة ضد "ازهار الشر".
134- نشرت "العجائز القصيرات" في Revu-e coiltemporainc عام 1859.
135- ومع ذلك، تبدا قصيدة "الارامل" بذكرى "فوفينارج"
136 - الارامل OEuvres.t. 1, p. 422 ولنذكر انه اذا ما كانت المنظومة تستدعي هي ايضا الاخلاص وآلام العجائز القصيرات" فانها لا تشير الى الفقر.
137- Les petites vieilles OEuvres, t. 1, p. 104.
138- Poe, Genése. d'un Poéme citée Préface des Nougelles Histoires extraodinaires, IV.
139- الأرامل OEuvres, t. 1, p. 423.
140- "… نوع من الأكاسير كان الصيادلة -في هذه الفترة- يبيعونه الى السياح ليخلطوه، عند الحاجة بماء الثلج (id.,p, 427)
141- أطلق صفة تصويري حقيقي "على التفاصيل ذات "الطابع المحلي"، الباريسية والشعبية، على سبيل المثال "أعواد القصب" أو "روائح المقليات" في المهرج العجوز"، و"تصويرية مزيفة على كل ما هو متكلف وغريب، على سبيل المثال "المرأة المتوحشة التي تمزق أرانب حية، وأمعاؤها الملفوفة تظل متدلية من بين أسنانها.. OEuvres, t. 1, p. 419
142- تقوم الروح الغنائية بقفزات واسعة كمركبات synthéses، فيما يستمتع ذهن الروائي بالتحليل "وهكذا، في مقال عن "بانفي t. 2, p. 547) يقيم «بودلير» -بتوفيق- تعارضا بين شعر ونثر. ولنذكر في هذا الصدد التحليل النفسي في العملة المزيفة".وستزودنا المقارنة بين نصي "دعوات للسفر" بمراجعة أخرى لهذه الملاحظة.
143- كان "كلوديل" يجد لدى "بودلير" "خليطا رائعا من الأسلوب الراسيني والأسلوب الصحفي لزمنه (ذكره "دانيل - رويس"، نقلا عن ريفيير Etudes, p.15) و"الكلاب الطيبة" التي "تذهب الى أعمالها" هو الأسلوب الصحفي، نوع فكه (ص492). وها هو النوع الهوجوي: "هنا لا شيء سوى أثرياء سعداء لا شيء يتنفس ويميل الى اللامبالاة ولذة الاستسلام للحياة، لا شيء سوى مظهر هؤلاء الصعاليك الخ (Les VeuveS, p. 423).
144- "أيود ما هو... أكثر سحرا، وأكثر خصوبة وطبيعة أكثر إثارة من الناحية الموضوعية من المكان المشترك ؟". (Salon de 1859.OEuvres,t. 2, p. 215 قارن، في "المذكرات الخاصة": "أسلوب عظيم (لا شيء أجمل من المكان المشترك). (id., 669)
145- قارن بما سبق ص 92، ملحوظة 435، ويرجع الوصف الخاص بعيد سوقي الى مؤلف مجهول. وقد استطاع "بودلير" أن يقرأ شيئا مماثلا في "L'Artiste" أو ."Corsaire
146-.Fussées (OEuvres, t. 2, p. 637)
ولكن علينا الا ننسى أن «بودلير» كان -من ناحية أخرى قد دافع عن المبتذل التافه في صالون عام 1846 (id., p. 1 1 0)
147- Une mort heroique (OEuvres,t. 1, p. 541)
148- Assommons les Pauvres! (id., p. 541)
149- ونعلم أن «بودلير» كان يمقت الأسلوب السلس "الأثير لدى البورجوازيين (قارن (Fussèes, t. 2, p. 650 et l'article surGautier, id., p. 459
150- Les Foules. t. 1, p. 420، وقارن -في نفس القصيدة- الروح التي تهب نفسها "بشكل غير متوقع، الى المجهول العابر" (ص 421).
151- "العملة المزيفة.La Fausse Monnaie, p. 455 ومن الملاحظ أن "بودلير" يعبر في:
- "المفاجيء"، وهي قصيدة من الشعر المنظوم نشرت في يناير 1863، في Le Bulelevard
- عن فكرة مشابهة الى حد ما، فيما يسأل المنافقين ما إذا كانوا يعتقدون: أنه يمكن السخرية من السيد وغشه
وإن كان من الطبيعي الحصول على ثمين،
الذهاب الى النعيم والثراء؟ (OEuvres, t. 1, p. 178)
152- Le vieux Saltimbanque, p. 425
153- Les bons chietns, p. 492
154- الملعقة المغروسة –مستقيمة- في الحساء، "مثل أحد هؤلاء الصواري التي تعلن أن الحصاد قد انتهى (Les bors chiens, p. 493) ولن تكثر الصور حقا، على أية حال إلا في المقطوعات ذات الطابع الشعري الصريح.
155- نشير - ضمن أشياء أخرى - الى البحث العجيب في الأسلوب، الذي تكشف عنه الكلمات العتيقة le col Roide:، وكومة كبيرة من sols (على التوالي، في La Corde, p. Les Veuves, p. 422 461, La Fauss Monnaie p. 454 وهذه الأشكال الثلاثة تنقيحات، فقد استخدم "بودلير - في البداية - الكلمات العادية raide,.cou, sous
156- وسيكون من المفيد في هذا الصدد مقارنة تخطيط "الرامي الأنيق" الموجودة في.Fussées (t. 2p. 635) بالقصيدة المنقحة في "سأم باريس" (t., 1, p. 581).
157- ذكره "جـ كريبيه، في طبعته، Notes, p, 345
158- La Chambre Double p. 410
159- La Soupe et les Nuages (OEuvres,t. 1, p. 481)
160-.Eod. loc., p. 449 وقطع النغمة يصبح - هنا - أكثر إدهاشا. حيث إن الجملة النثرية (هؤلاء الناس لا يحتملون بالنسبة لي بعيونهم المفتوحة مثل الرتاجات") التي تلي جملة متسقة وموزونة، يطولها أيضا تأثير تكرار ("كنت أغرق في عيونكم الفاتنة والعذبة، بغرابة في عيونكم الخضراء التي يسكنها الكبرياء وتستلهم القمر..").
161- Salon de 1859 t, 2,p. 231 قارن بما سبق ص 113.
162- "هنا كل شيء له الوضوح الكافي والغموض العذب للانسجام".على ما يكتب "بودلير" La Chambre Double ,.(OEuvres,t. 1, p. 409)
163- كل منهم آنئذ أمرد.." (قصيدة مهداة الى "سانت – بوف" عام 1844،.(OEuvres,t. 1, p. 226)
164- كتب هذا الفصل عندما نشرت في Mélanges Bonnerot(p. 189) دراسة بقلم "ش برونو" حول إبداع سانت – بوف": الجملة الطرية في «لذة »، التي تظهر التأثيرات الناجمة عن الأقواس والشرطة ونقاط الارجاء والتمديد الايقاعي للجملة في "لذة"، عديد من الطرائق التي استطاع «بودلير» الاستفادة منها.
165- وسنجد في دراسة "جيزان" حول قصائد النثر لدى «بودلير» (الذي يمنح - من ناحية أخرى- مكانة زائدة، فيما أعتقد، لتماثلات النثر البودليري) عدة ملاحظات دقيقة عن انطباع «الخفة والانزلاق » الذي كثيرا ما يثيره نثر "سأم باريس" وعن حركته في في "الانسياق المخطط Prose et poésie chez Baudeiaire, Etude de Letters) (paginé 87 - 107) وحول «التعرجات البودليرية» سنقرأ التأملات الغريبة لـ "جـ. ب. ريشار" في Poésie et profondeur, ed. du. Sevil, 1955, p.145 et 59.
166- Le Port (OEuvres, t. 1, p. 476)
167- Le rythe du vers - libres symboliste, Genéve, 1943, t. 1, ch, 3: L'E muet et sa place dans le rythme
ويوضح "مورييه" - تماما- على العكس من ذلك أن القطع المؤنث، أو الترخيم الجوفي (الذي يرد بعد "e" الصامتة) جامد ومتنافر. مثلما لدى «فرايرين » في كثير من الحالات" " De poings houleux / et de lutes / exaspérées" أنظر (t. 1, p. 122).
168- t. 1, p.446 وفي الفقرة التالية: ى Elle sàvance, balançant/ mollement / son tor/ se si mince/sur ses han/'ches si larges." (إنها تتقدم، متأرجحة، في طراوة / وجذعـ/ها النخيل جدا/ فوق أردا/ فمها الضخمة جدا). ولنحاول أن نقول "Son corps si mince" (جسدها النحيل جدا)، لتختفي كل ارجحة المركب الجميل ".
169- يدرس "كريسو (Le style et ses techniques, PU. F. 1947هذه الجملة، ويوضح اهمية علامات الترقيم، لكن مع اهتمامه - فحسب - بحذف عناصر الجملة (ص 226).
170- انظر طبعة "كريبيه"، ملاحظات، ص 239. ولم تكن اسباب
التغييرات التي تمت في "دوروتيه الجميلة" قائمة على اساس جمالي. ابدا: انظر ص 127، فيما يلي.
171-.L'invitation au Voyage- t, 1, p. 132
172- Les Projets, p. 445
173- La Belle Dorothée, P. 446.
174- Les Bienfaits de la Lune, p. 473
175- Les Yeux des Pauvres, p. 449
176- "Et, bien que votre voix soit douce, taisez vous' Taisez ignorante. âme Baudelairem. (ذكره " كاساني، الذي اشار بهذا الصدد -الى اننا نجد أيضا لدى "بو" استعادات تعبيرية.
177- "عن تبخر وتكثيف الانا. كل شيء هنا (Mon Coeur mis a nu, OEuvres t. 2, p. 642)
178-.Le Cnfiteor de L.Artiste, t. 1 p.408
179-.Le Thyrse (A Franz Liszt) p. 468
واذكر بهذه المناسبة بان الجملة الشعرية حسب "بودلير"، يمكن أن تقلد الخط الافقي والخط الأيمن الصاعد والخط الايمن الهابط.. الخ OEeuvres t. 1, p. 583) ويبدو انها اكثر استساغة من جملة النثر الشعري.
180- ونعلم أن "بو" نفسه قد اوضح انه اختار عن عمد مؤكد هذه اللازمة بسبب صوتيتها (La Gencés d'un Poéme) تفسير صادق ام مخادع، لا نعرف تماما.
181- تجميع ثلاثي، وكل مجموعة في ذاتها ثنائية.
182- تعداد مزدوج: خمسة أسماء تليها خمسة أفعال، تستعيد الكلمات السابقة مع توسيعها.
183- استعادة للكلمات السابقة.
184- Enivrez - vous p. 568
185- A une heure du matin , p. 418.
186- Prose et poésie chez Baudelaire, Etude de Lettres (Paginé p. 87-107) Lausanne, lmprimerie de la Concorde, 1948, p. 95-98.
187- Un plaisant, p. 408
188-.Le vieux Saltimbanque. P, 426.
189- Déja! P. 469
190- Le Miroir, p. 475
191- ص 0474 ثلاثة من نمط ثماني المقاطع في بداية المقطوعة، واثنان من النمط السباعي المقاطع.
192- ص0492تجميعات ثلاثية، مع تركيب تماثلي ومتشابه المقاطع (5+5+5).
193- تجميعات ثنائية، مع تركيب تماثلي وتماثل صوتي mordant ruisselante.
194- تجميعات ثلاثية: ثلاثة افعال ذات مدة زمنية متساوية بشكل محسوس، والفعل الاخير يشكل قافية مع الكلمة الأخيرة للمجموعة الأولى الثلاثية (trottent - erotte).
195- Prose et pôesirre, che Baudelaire, Lausannee, Imprimerie de la Concorde, 1948, p. 103 وقد كتب هذا الفصل عندما تعرفت على كتاب Ratermanis, Etude Baudelatrie dàprés les Fleuts du Mal et les Petits poémes en prose, éd. Arts et Science, Bade, 1949 وتؤكد دراسة ايقاع قصائد النثر أن ايقاعها "اكثر فقرا- بشكل محسوس- في التكوينات الثنائية، مما في "أزهار الشر" (ص 403) وقد أحصى "رترماني" 230 مثالا على الجمل ذات الخاتمة الفردية المقطع.
196- Les Fleurs du Mal, éd. Crépet et Blin, Corti, 1942., p. 336
197- T. 1, p. 488.
198- انظر طبعة Crépet Petits Poémes en Prose, notes p. 235-236.
199- انظر بهذا الصدد طبعة Fleurs du Mal, éd. Crépet et ولم تظهر "خصلة الشعر" إلا عام 1859, أي بعبد عامين من "نصف كرة في خصلة شعر". لكن "أسبقية النشر لا تثبت أسبقية التأليف.
200- Petits poémes en prose, éd, des Belles Lettres, Introduction, p. xx
201- T. 1, p. 409 ويمكننا ان نقوم بتقسيم مغاير، لكن النتائج لن تتغير.
202- قارن Cressot, Le style et ses techniques, P.U.F 1947, 3? partie, ch. 1 La phras
203- T. 1, p. 433
204- ld., p. 411-412
205- Le fou et la Vénus, p. 412
قارن مع " تبطين outage صوتي مماثل في "غسق الليل" من "ازهار الشر" Voici le soir charmant, ami du criminel<(t. 1, p. 408"
206- Le Mauvais Vitrier, t. 1 p. 416
207- Les Bien faits de la Lune, p. 472
208- انظر فيما يتعلق بالجناس Cassagne, Versification et métrique de Baudelaire, 1906, ch, V, p. 57-79
209- Le Mauvais Vitreier, p. 415
210- Assommons les Pauvres, p. 489
211- Enivrez- vouss, p. 488 ونجد –بالفعل- في "ازهار الشر" الوحيدة التي احبها DeProfundis Clamavi، وايضا، حالما La fin de la Journée و"نبيذ بشع La Priére d'un Baien انظر طبعة "كريبيه" و"بلان" ص 350، 351.
212- Les bons Chiens, p. 494.
213- Notes nouvelles sur E.Poe, Préface des Nouvelles Histoires extraodinaires IV.
214- انظر ص 42 فيما سبق.
215- ص 433.
216- ص 481.
217- Déja! T. 1, p. 469
218- "التكرار واللازمة طبيعيان بالنسبة لبودلير: إنه الشكل الأنسب لفنان تستحوذ عليه افكار ثابتة، فريسة للسأم، ومنطويا على نفسه ضانعا سائما في أحلامه،. وهما أيضا - بالنسبة لموهبة موسيقية بالأساس - الطريقة التي تفرض نفسها، إذا ماكنا نسعى الى منح الايقاع مزيدا من التاكيد ومزيدا من الاتساع الى الانسجام. وتكرار الأصوات والأشكال موجود في كل الفنون العظيمة وكل القصائد الكبيرة.
(Charles Baudelaire, Crés, 1920, p. 351)
219- Poe, la Genése d'un Poéme, traduit par Baudelaire Oeuvres, éd. Calmann-Lévy, t. V11, p. 516
220- نعرف القصيدة المكتوبة عن «الجمال»: «اكره الحركة التي تستبدل الخطوط..» لكن «بودلير» يتحدث في Fussées عن سحر غامض ولانهائي «نجده في تأمل مركب يتحرك، وعن «الفكرة الشعرية التي تستخلص من عملية الحركة هذه في الخطوط (Fusées,..OEuvres, t, 2, p, 638)
221- انظر ص 114 فيما سبق.
222- Note pour l'édition Garnier, 6 Fev. 1866
223- انظر دراسة: G. streit, Die Doppelmotive In Baudelaire Fleurs du Mal und Petits Poémes, en Prose, Zürich, Heitz, 1930 ايضا دراسة لبعض النسخ المزدوجة عند Ratermanis, Etude, sur le Style de Baudelaire d'aprés les Fleurs du Mal et les Petits Poémes en prose, éd, Arts et Sciences, Bade, 1949 p, 417- 464
224- انظر ص 146، فيما سبق.
225- في طبعتها المحققة ص 335، 337.
226- Fleurs du Mal, éd. Crépet et Blin, p. 336
227- es hommes de bonne volonté, t. 3,p. 38 تقديم عدة ملاحظات هامة عن «بودلير»، وخاصة فيما يتعلق بقصيدة شعر".
228- وصف انطباعي يسمح -بالاضافة الى ذلك- بالمقارنة مع "لازورد السماء". ولا يجرؤ «بودلير» في النثر على استخدام الصفة بدون تخفيف، عندما يكتب في «دوروتيه الجميلة»: "شعرها الهائل شبه الأزرق... .(presque bieue)
229- قارن في «لكل خرافته» «قبة السماء السامية (t,l, p. 412) وفي "الجاتوه": «قبة السماء التي كنت ملتفا بها، وكلمة «قبة» اكثر تجريدا، وأقل جرأة من الصفة مستديرة ".
230- Crise de vers (OEuvres éd. de la Pléiade, p.368) "الشعر الذي يعيد عبر عديد من الألفاظ صياغة كلمة شاملة جديدة وغريبة على اللغة كأنها تعويذة."
231- ينتهي "روهو" الذي قام بمقارنة شديدة التدقيق، فقرة فقرة، بين قصيدتين -الا ان النثر حر، وبسيط وحميم، فيما النظم- على العكس ساطع، باروكي، و"رسمي" (Das franzôsische Prosagedicht, Friederichsen, de Gruyter und Cô, Hambourg, 1929, p. 41
232- انظر M. Seguin, Génie des Fleurs du Mal, Messein, 1938, P.96
(تخصيص يتبناه "كريبيه" و "بلان). فـ «الصديقة القديمة - التي تظهر في بداية قصيدة النثر كانت في البداية عشيقة عزيزة في طبعات 1857و1861.
233- فيما يخص هذه الفكرة الرئيسية التي ترجع الى "سويدنبورج" و«فورييه»، وبالنسبة لانعكاساتها، في عمل "بود لير"، انظر كتاب J. Pommier, la Mystique de Baudelaire, Belles, Lettres, 1932
224- انظر الفصل الخاص عن "بود لير" في Michaud, Message du symbolisme, Nizet, 1947, t.. 1
235- انطباع التأرجح لمركب يندفع من موجة الى موجة نحو فردوس بعيد" (Ch. Baudelaire, Crés, 1920, p. 357)
236- نشر «بودلير» عددا من الملاحظات في "La Fanfarlo" عن الفن الشهواني الذي يجب على الطبخ أن يكونه.
237- الذي كتب حسبما نعرف «فلسفة التأثيث ». فهل يتذكر «بودلير» منزل «لاندور» الريفي، المشيد وهو ما يمكن ملاحظته "على النمط الهولندي القديم"؟
238- مقال عن "بانفيل" OEuvres, t. 2, p. 546
ويقول بودلير أيضا: القيثارة تهرب عن طيب خاطر-من كل التفاصيل التى تتلذذ بها الرواية
239- Poe, La Genése d'un Poeme, traduit par Baudelaire (OEuvres, Calmann- Lévy, t. V11, p. 516)
240- "دريو هو الذي عقد المقارنة بين نصي «دعوات» في إحدى دراساته عن «بودلير» (Sternengasse, 7191)، لكنها انطلقت من فكرة ان قصيدة النثر قد كتبت اولا، واننا في النثر«نشعر بصوتيات النظم وهي تستيقظ» (ص 39) لكنه لم يتمكن من التوصل إلا الى اعتبارات بالغة العمومية حول تميز الشعر المنظوم، كشعر منظوم.
241- خطاب الى "أ. فريس"، 19 فبراير 1860. ونعلم بالنسبة لبودلير ان "البلاغة والعروض ليسا بطغيان تم اختراعه عشوائيا، لكنه مجموعة من القواعد التي يستلزمها التنظيم الروحي للكائن نفسه (Salan de 1859, OEuvre, t. 2, p, 232
242-خطاب الى "هوسايى"، ديسمبر 861ا أعيد نشره في طبعة "كونار"(t.3p.224 ويتعلق الأمر بالقصائد النثرية العشرين الأولى، التي ستنشرها
"لابريس " عام 1862، وغالبا ببضع قصائد أخرى (قارن بما سبق ص 115، ملحوظة 80).
243- رتبت "س. شوير" في قسمين "شيء ما جديد كإحساس، و"شيء ما جديد كتعبير" _ الملاحظات التي خصصتها لـ "قصائد نثر قصيرة لبودلير (lnaugeral Dissertation, Université d,lena,.1935
244- بودلير، خطاب الى والدته 9 مارس 1865.
245- في مقاله بـ Boulevard ، 31 أغسطس 1862 (وسنجده منشورا في طبعة (Crépet, OEuvres de Baudelaire, Conard,t.3)
246- OEuvres de Baudelaire, edition, Calmann
Lévy, Introduction par Théophile Gautier, datée du 02 Fév, 1868.
247- الرابع من مايو 1865.هل حذف "بودلير" بعض القصائد الضعيفة للغاية ؟ نعلم ان "سأم باريس " يضم خمسين قصيدة بالضبط.
248- جمع "جـ. كريبيه في طبعته المحققة _ جميع الوثائق التي تتيح متابعة هذا التاريخ الأليم لهذا الانهيار التدريجي.
249- عدة قوائم على وجه التحديد هي التي سنجدها في طبعة.OEuvres,t.1,p.650
250- Madar, Charles Baudelaire intime (Blaizot, 1911)
251- كريبيه وبلان، ص 338 وأعيد _ نقلاعنهما _ نشر نص هذا "الحلم " الذي لم يسبق نشره ابدا قبل ذلك إلا محرفا.
252- aradis artificiels, le Théàte de Séraphin, p.c'. 182
وفيما يتعلق بما يسمى الحلم "الهيروغليفي" الذي يتسم بطابعه "العبثي، وغير المتوقع يقول "بودلير" انه قاموس لابد من دراسته، ولغة يمكن للحكماء الحصول على مفتاحها (السابق، ص 280) وذلك ما لا يفتقر الى العلاقة بافكار "جـ. دي نرفال "
253- انظر ص 121 فيما سبق.
254- Aurélia, ch 3 والعنوان الفرعي لـ "أوريليا" (العنوان الأول) هو "الحلم والحياة ". ويذكر "كريبيه " في طبعته من "قصائد نثر"،فيما يتعلق بمقطع "بودلير" "حلم " البوهيمي المتأنق - ممرات - ممرات بلا انتهاء! سلالم _سلالم حيث نصعد، حيث نهبط وحيث نعاود الصعود..
255- بالاضافة الى تعبير "فراديس اصطناعية المذكور في ملحوظة بالصفحة السابقة، تظهر نفس الفكرة في خطاب الى "آسيلينو" (13 مارس 1856) حيث يضيف "بودلير" بعد ان يسرد احد احلامه - أنه "محاصر بأحلام تدفعه غرابتها الكاملة ومفاجأتها الى أن يعتقد انها لغة هيروغليفية "لا يملك مفتاحا لها». وحول كل هذه المفاهيم عن الحلم، أحيل الى العمل الهام A. Béguin , Le ri-,ve chez ls romantiques allemands et dans la poésie française rnodern, Marseille, Cahiers du Sud, 193.
256- خطاب بتاريخ 15 مايو 1871 الى " دوميني " ويسمى " خطاب الرائي".

انتهى الفصل الأول


ليست هناك تعليقات:

الأكثر مشاهدة